نيال فيرغسون
كاتب من خدمة بلومبيرغ. أستاذ للتاريخ المعاصر في جامعة ستانفورد الأميركية
TT

استعدوا للتعايش مع «كوفيد ـ 19» للأبد

تتملك البشرية جميعها اليوم رغبة عارمة في التحرر من جائحة «كوفيد - 19». ومنذ أن بدأ الفيروس الجديد في اجتياح العالم منذ قرابة عام ونصف العام، خضعنا جميعاً بدرجات متفاوتة لتقييمات منتظمة لصحتنا، وذلك من خلال الاختبارات التي نجريها للتأكد من وجود الفيروس من عدمه، بجانب أنه يجري تشجيعنا على الحصول على اللقاح. واليوم، أعتقد أننا جميعاً نرغب في استعادة حياتنا.
وربما يجانبني الصواب إذا ما قلت إن إجراءات الإغلاق تسببت في ضرر فاق النفع الذي حققته داخل الدول المتقدمة. ومع ذلك، يبقى من المؤكد أنه كان من الممكن تجنبها أو تقليص مدة سريانها إذا اعتمدنا مبكراً على الاختبارات وإجراءات التتبع.
ومع ذلك، توحي ورقة عمل جديدة صادرة عن المكتب الوطني للأبحاث الاقتصادية بقوة بأن إجراءات الإغلاق أحدثت أضراراً فاقت مزاياها داخل الدول النامية. وذكرت الورقة أنه «داخل الدول المنخفضة الدخل، من الممكن أن تؤدي إجراءات الإغلاق إلى فقدان حياة 176 طفلاً بسبب الانكماش الاقتصادي مقابل كل 100 وفاة بسبب «كوفيد - 19» يجري تجنبها».
وأوضح التقرير أنه كان هناك ما يعد أشبه بـ«مقايضة بين الأجيال» داخل الدول المتقدمة هي الأخرى، ذلك أن الأجيال الأصغر عانت خسائر تعليمية واقتصادية ضخمة بسبب القيود المفروضة بصورة أساسية للحد من انتشار الوباء وتقليل معدلات الوفيات بين المجموعات العمرية الأكبر سناً والتي تعد الأكثر عرضة للتضرر من الفيروس.
المؤكد أننا جميعاً وبغض النظر عن أعمارنا نرغب في وضع نهاية لهذا الوضع - لكن لا يبدو أننا نسير في هذا الاتجاه. وكنت مدركاً أثناء وضع اللمسات النهائية على كتابي عن تاريخ الكوارث نهاية الصيف الماضي أن الوباء ما يزال أمامه شوط ليس بقصير.
وكتبت حينها أن هناك احتمالاً لأن تنتهي الجائحة بحلول أبريل (نيسان) أو مايو (أيار) 2021. وأن «يعود الاقتصاد العالمي للحياة بمجرد أن تصبح هذه النهاية واضحة». ومع ذلك، كان هناك «سيناريو أسوأ، نقضي في إطاره سنوات في لعبة الكر والفر مع الجائحة، مع تحور (سارس - كوف - 2) وعدم توافر لقاحات ناجعة بالمعنى الحقيقي وعدم وجود ما يوفر مناعة دائمة. وقياساً على الجوائح الماضية، فإن الجائحة الراهنة ربما لا تزال في مرحلة مبكرة - وربما لا تكون قد اقتربت حتى من نهاية الربع الأول منها».
سطرت هذه الكلمات منذ ما يقرب من العام، تحديداً في 6 يوليو (تموز) 2020. واتضح بعد ذلك، أن اللقاحات (أو على الأقل بعضها) قدمت أداءً أفضل عما كنت أجرؤ على أن أحلم به، وبدأ الاقتصاد العالمي بالفعل في التعافي. ورغم ذلك، ربما لا نزال اليوم محصورين داخل الربع الثاني من هذه الجائحة - أو بداية النصف الثاني منها على أفضل تقدير.
وبالنظر إلى المشقة التي خضتها الأسبوع الماضي حتى أتمكن من السفر من شمال كاليفورنيا إلى ساوث ويلز لرؤية أفراد أسرتي وأصدقائي بعد 18 شهراً من الانفصال عنهم، تولدت داخلي قناعة بأن مسألة العودة إلى الحياة الطبيعية ستجري بوتيرة أبطأ كثيراً عما يظنه معظمنا. أما الأسباب وراء ذلك، فتتجاوز الطابع المتحور للفيروس.
في الواقع، يخالجني شعور سيئ بأنه حتى لو نجحنا في احتواء انتشار «سارس - كوف - 2» إلى الحد الذي ندفع عنده معدلات الوفيات نحو المستويات الطبيعية في كل مكان، فإننا رغم ذلك ربما نبقى عاجزين عن التخلص من القيود المرتبطة بالجائحة التي تقيد اليوم حرياتنا.
وحتى عندما نخرج من سجن «كوفيد»، ستظل القواعد الحكومية تفرض علينا قيوداً على عدد الأقارب والأصدقاء الذين يمكننا مقابلتهم. جدير بالذكر أن القيود المفروضة على الحياة الاجتماعية التي كان من المفترض رفعها في 21 يونيو (حزيران) صدر قرار بتمديدها لأربعة أسابيع أخرى.
ولا يزال ارتداء أقنعة حماية الوجه إلزامياً في الكثير من الأماكن المغلقة وفي وسائل النقل العامة. كما أنه مسموح بتجمعات في أماكن مفتوحة لما يصل إلى 30 شخصاً، لكن إذا رغبت في مقابلة آخرين داخل مكان مغلق، فإن أقصى عدد مسموح به ستة، إلا إذا اقتصر اللقاء على أفراد أسرتين فحسب.
ويحق للشرطة اقتحام أي مكان ينتهك هذه القواعد وفرض غرامات تصل إلى 14 ألف دولار. باختصار، إذا كنت تفكر اليوم في الانطلاق في رحلة طويلة بالطائرة لأي مكان في العالم، فإن نصيحتي لك: لا تفعل.
ولا أقصد مما سبق أن هذه القيود غير ضرورية. الحقيقة أن مكتب الإحصاءات الوطنية في المملكة المتحدة أكد تراجع الوفيات اليومية بسبب فيروس «كوفيد - 19» إلى أدنى مستوياتها منذ سبتمبر (أيلول). ومع ذلك، فإن المعدل اليومي للإصابات الذي تراجع لأقل عن 2000 الشهر الماضي، ارتفع بشدة إلى أكثر من 16 ألفاً، وذلك بسبب تفشي المتحور «دلتا» الأشد عدوى بكثير.
وتكمن المفارقة في أن المملكة المتحدة تتصدر أوروبا اليوم من حيث عدد الجرعات لكل 100 شخص وعدد الإصابات لكل مليون. بجانب ذلك، ارتفعت معدلات احتجاز الأشخاص في المستشفيات أيضاً.
وهناك مشكلة كبيرة تتمثل في أنه مقارنة بالمتحورات السابقة، مثل «ألفا»، فإنه من الأسهل بكثير الإصابة بالمتحور «دلتا» لمن حصلوا على جرعة واحدة من اللقاح. في الواقع، لقد اتضح أنه من الأسهل بكثير الإصابة به حتى لو كنت قد حصلت على جرعتي اللقاح.
وكشفت دراسة جديدة نشرتها دورية «لانسيت» - بناءً على 19.543 إصابة مؤكدة و377 حالة جرى احتجازها بالمستشفيات في أسكوتلندا بين أبريل ويونيو - أن فاعلية اللقاح تراجعت بعد 14 يوماً من تلقي الجرعة الثانية من لقاحي «فايزر» و«أسترازينيكا». وقد تراجعت الفاعلية في حالة «فايزر» من 92 في المائة إلى 79 في المائة، بينما تراجعت فاعلية «أسترازينيكا» من 73 في المائة إلى 60 في المائة.
ومع ذلك، تبقى هناك نسبة فاعلية جيدة. وعليه، فأنا أتشكك في ضرورة إبقاء الأشخاص الذين جرى تطعيمهم بالكامل قيد الحجر الصحي لمدة 10 أيام، خاصة إذا كانوا قادمين من بلد مثل الولايات المتحدة لم ينتشر فيه (بعد) المتحور «دلتا» على نطاق واسع.
والتساؤل الذي يفرض نفسه هنا: لو أن كلاً من نتائج التجارب السريرية والبيانات المرتبطة بالواقع تشير إلى فاعلية مرتفعة للقاح، خاصة «فايزر» و«موديرنا»، في الوقت الذي تبدو الحكومة شديدة الحرص على إقناع الناس بتلقي اللقاح، فلماذا إذن تطرح الأخيرة مزايا اجتماعية هزيلة للغاية أمام من تلقوا اللقاح؟
في الواقع، تبدو الإجابة هنا واضحة: إن هذه القيود مستمرة ليس لأن لها أساساً علمياً، وإنما لأنها نتاج ظاهرة تاريخية قوية يمكن وصفها بـ«الجمود البيروقراطي».
بوجه عام، تبدو الأسباب العلمية وراء إمكانية استمرار الوباء لفترة أطول بكثير عما نأمله، واضحة. أولاً: أنه لا يمكن ببساطة محو الفيروس لأننا لسنا العائل الوحيد له. ثانياً: مثلما أوضح عالم الأوبئة الأميركي الشهير، لاري بريليانت، فإن العالم لن يصل إلى نقطة تطعيم أعداد كافية من البشر لوقف انتشار الفيروس قبل ظهور متحورات جديدة خطيرة أكثر قدرة على الانتشار ومقاومة للقاحات، بل وربما يمكنها تحاشي اختبارات التشخيص الحالية.

* بالاتفاق مع «بلومبرغ»