جيمس ستافريديس
- أميرال بحري متقاعد بالبحرية الأميركية وقائد عسكري سابق لحلف الناتو وعميد كلية فليتشر للحقوق والدبلوماسية بجامعة تافتس < بالاتفاق مع «بلومبيرغ»
TT

مسألة حياة أو موت للمترجمين الأفغان في الجيش الأميركي

تحتاج وزارة الخارجية إلى منح تأشيرات خاصة لعشرات الآلاف من الأشخاص الذين سوف تستهدفهم حركة «طالبان».
يوشك انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان على الاكتمال، حيث سافر نصف الفرقة النهائية المكونة من 3 آلاف جندي، أو نحو ذلك، إلى الوطن استعداداً لانتهاء المهمة في 11 سبتمبر (أيلول) المقبل. ومع ضيق الوقت، تواجه الولايات المتحدة واجباً أخلاقياً، يتمثل في إنقاذ - بطريقة منظمة وآمنة وفي الوقت المناسب - الأفغان الذين خدموا جنباً إلى جنب مع الأميركيين خلال الحرب التي دامت 20 عاماً.
ولتفهم محنة هؤلاء الأفغان، انظر إلى ما حدث في جنوب فيتنام في عام 1975، بعد سقوط البلاد في أيدي «فييت كونغ»، حيث تعرض شركاء الولايات المتحدة إما للإعدام وإما للسجن - مع إعادة التثقيف - في أغلب الأحيان. وقد عانت أسرهم أشد المعاناة. ويتعين على واشنطن أن تتجنب تكرار هذه النهاية القاتمة.
على مدى السنوات الأربع التي شغلتُ خلالها منصب القائد الاستراتيجي لعملية الحرية الدائمة في أفغانستان، كنت أذهب بشكل متكرر من مقر منظمة حلف شمال الأطلسي في بلجيكا إلى العاصمة كابل. وبعد قضاء ليلة في العاصمة الأفغانية، مع الإحاطات الإعلامية مع الجنرال رفيع المستوى الذي يقود القوات الدولية (داخل البلاد)، كنت أقضي أسبوعاً أو نحوه في المعتاد محلقاً في أجواء أفغانستان لزيارة حلفاء حلف الناتو في الميدان.
وتنوّعت الزيارات بشكل كبير نظراً للتنوع الجغرافي في أفغانستان، وهي دولة بحجم ولاية تكساس تقريباً. وقد أقضي يوماً واحداً مع القوات الخاصة الإيطالية ونظيرتها الأفغانية بالقرب من الحدود الغربية مع إيران، وفي اليوم التالي أقوم بزيارة جنود قوات مشاة البحرية الأميركية والقوات الخاصة بالجيش الأفغاني في قواعدهم في مرجة وقندهار في الجزء الجنوبي الأوسط من البلاد، ثم الليلة الثالثة قد تكون شمالاً مع القوات الألمانية رفقة الشرطة الأفغانية حول محافظة قندوز.
كل شيء يتغير يوماً تلو يوم، وساعة تلو أخرى، عندما كنت أتنقل بين 150 ألف جندي تحت قيادة حلف شمال الأطلسي و370 ألف جندي من قوات الأمن الوطني الأفغانية.
ولكن كان هناك أمر واحد ثابت: المترجم الخاص بي. كان هناك على مر السنين عدة أشخاص دائماً إلى جانبي، وسمحوا لي بالتواصل مع أفراد الجيش والشرطة الأفغانية. وكان لكل منهم أيضاً دور فعال في الاجتماعات التي لا حصر لها والتي عقدتها مع القادة السياسيين الأفغان، لا سيما على مستوى المقاطعات والأقاليم - وبمجرد مغادرة العاصمة، كان هناك عدد قليل جداً من الأفغان يتحدثون اللغة الإنجليزية. وبخلاف فريق الأمن التابع للقوات الخاصة الأميركية المرافق لي بصفة دائمة، لم يكن هناك أي شخص آخر أمضيت معه وقتاً أطول، أو اعتمدت عليه بشكل أوسع.
وعلى نحو مماثل، كان المترجمون الفوريون يشكلون أهمية حاسمة في السماح لي بالتحدث مع الأفغان العاديين، وفهم آمالهم ومخاوفهم. وأخيراً، أصبحوا مقياساً جيداً للمهمة نفسها، كما شجعتهم على إخباري عن عائلاتهم، وقراهم، وتطلعاتهم - لأنفسهم ولبلادهم على حد سواء. ولا يوجد شيء عجيب في تجربتي، فلقد أدى عشرات الآلاف من الأفغان (والعراقيين) المهمة نفسها المحفوفة بالمخاطر على مدى العقدين الماضيين.
ولكن الآن، وبعد أن أصبح هناك احتمال حقيقي - كما يقول البعض إنه من المحتمل - أن تعود حركة «طالبان» إلى السلطة، فإن المواطنين الأفغان الأكثر عرضة للمخاطر هم هؤلاء الرجال الذين خدموا جنباً إلى جنب مع القوات الأميركية، وخاطروا بحياتهم في القتال، وكانوا في خوف دائم من أن يتم القبض عليهم وتعذيبهم وقتلهم. وهم يشكلون رقماً كبيراً - لدى وزارة الخارجية الأميركية أكثر من 18 ألف طلب غير معالج لبرنامج التأشيرات الخاصة بالمهاجرين، ما يعكس ما مجموعه نحو 70 ألف مواطن أفغاني، بما في ذلك أفراد العائلات. (ومما يُحسب لوزارة الخارجية الأميركية أن أكثر من 16 ألف تأشيرة قد صدرت بالفعل).
وفي نهاية المطاف، وعلى اعتبار الوقت القليل المتبقي، يتعين على المؤسسة العسكرية أن تجري عملية إخلاء شاملة. كانت الولايات المتحدة قد تمكنت من إخراج أكثر من 100 ألف مواطن فيتنامي من البلاد في عام 1975، ثم قامت بتجهيز تأشيرات دخولهم إلى الأراضي الأميركية - وكانت الوجهة المقصودة وقتذاك هي جزيرة غوام.
إن القيام بالأمر نفسه في أفغانستان يتطلب عملية نقل جوي واسعة النطاق، وإنها عملية تقع ضمن قدرات وزارة الدفاع الأميركية. وهناك مؤشرات على أن سكان جزيرة غوام، وهم مواطنون أميركيون، على استعداد لتقديم الدعم الإنساني مرة أخرى. وهناك أيضاً مرافق أميركية مناسبة في الولايات المتحدة القارية. ومن المفارقات، ونظراً لتاريخها مع الإرهابيين، فإن القاعدة البحرية في خليج غوانتانامو في كوبا لديها مرافق لدعم العمليات الجماعية للاجئين (على غرار عمليات رفع القوارب من كوبا وهايتي قبل عقود).
لقد كان الجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة، ضمن فريقي في أفغانستان، ومن ثم فهو يدرك معضلة الحياة والموت التي يتسم بها الموقف الراهن. وصرح في أواخر شهر مايو (أيار) بأن «هناك خططاً يجري تطويرها بسرعة بالغة هنا لإنقاذ المترجمين الفوريين وأسرهم. ونحن ندرك أن المهمة بالغة الأهمية للغاية في ضمان أن نبقى مخلصين لهم، وأن نفعل ما هو ضروري لضمان حمايتهم، وإخراجهم إذا لزم الأمر من البلاد، إذا كان هذا ما يريدون فعله».
وبوصفي ضابطاً بحرياً صغيراً في الأكاديمية البحرية الأميركية في أنابوليس، فلقد شاهدت سقوط سايغون في فيتنام على شاشة التلفاز الأسود والأبيض، والمشقة الكبيرة التي لازمت رؤية المروحيات وهي تقلع من أسطح المنازل وتنتقل إلى سفن البحرية الأميركية قبالة الساحل. وكان من الواضح أنه قد تم التخلي عن الغالبية العظمى من الذين ساعدوا القضية الأميركية هناك. إن الوقت ينفد سريعاً لتجنب تكرار ذلك اليوم المخزي في التاريخ الأميركي.

* بالاتفاق مع «بلومبرغ»