إنعام كجه جي
صحافية وروائية عراقية تقيم في باريس.
TT

بنزيما

لو وضعنا عدّاداً على أفواه الفرنسيين لمعرفة الاسم الأكثر تردداً على الألسنة خلال الأسابيع الماضية لوجدنا أنه بنزيما. كريم مصطفى بنزيما. لاعب كرة قدم مولود في مدينة ليون لوالدين هاجرا من الجزائر. كان يلعب ضمن المنتخب الفرنسي ثم جرى استبعاده بما يشبه الطرد. وها هو يعود مظفراً وتُشرع الأحضان لاستقبال الابن الضال. خمس سنوات أمضاها بنزيما في إسبانيا يلعب لنادي «ريال مدريد»، برعاية خاصة من مدرب الفريق زين الدين زيدان. جاء الاثنان من خلفية واحدة.
مرّت مواجهات حي الشيخ جراح في القدس وحرب غزة من دون أن تشغل الفرنسيين عن بنزيما. انحسر الوباء وخلعوا الكمامات في الشوارع واستمروا في تناقل أخباره. جرت الدورة الأولى من انتخابات الأقاليم وسيذهبون، اليوم، إلى صناديق الاقتراع ثانية ليحسموا النتيجة. ينتخب الفرنسيون مرشحين مجهولين يتعثرون في تذكّر أسمائهم لكنهم لا يخطئون في اسمه. يعود أم لا يعود، تلك كانت المسألة. هل يكون حضور بنزيما في تصفيات كأس الأمم الأوروبية أهم من صعود مارين لوبين، زعيمة اليمين المتطرف، في الانتخابات؟
لم أتصور أنني سأكتب يوماً مقالاً في كرة القدم. أحب اللعبة وما زلت عاجزة عن فهم وضعية التسلل (أوف سايد). لكن بنزيما يصلح لأن يكون شخصية روائية. صبي له تسعة أشقاء لا يجد خلاصاً إلا في كرة القدم. وهو قد انضم إلى المنتخب الفرنسي قبل بلوغه العشرين. خاض 80 مباراة دولية وصار في عداد كبار الهدافين. لكن يبدو أن هناك وسواساً خناساً يظهر على حين غرّة. وفي إحدى المرات كان اسم الوسواس زاهية، فتاة قاصر تحولت إلى قضية بعدما حاولت إغواء اللاعب ورفاق له في مقهى للشيشة في «الشانزليزيه».
في أوج شهرته، قبل ست سنوات، فقد اللاعب مكانه في صفوف المنتخب الفرنسي لسبب غريب. حوكم بنزيما في قضية ابتزاز جنسي ضد زميل له في المنتخب. وتنقلت القضية ما بين محكمة البداءة والاستئناف ثم النقض. استمع المحققون إلى تسجيلات مكالماته الهاتفية، وهو أمر اعتبره القاضي تنصتاً غير قانوني لكنه لم يبرئ اللاعب من أنه كان الوسيط في العملية. ضجّت الأوساط الرياضية للخبر. كان الخبز اليومي للصحف الشعبية ومواقع التواصل. والشاة عندما تسقط تكثر السكاكين. لم يشفع له أنه أحد أفضل المهاجمين في جيله، ولا أغلاهم. كان ثمن انتقاله إلى النادي الملكي (ريال مدريد) عام 2009 هو الأعلى يومذاك: 35 مليون يورو. وبعدها أصبح أهم لاعب في الفريق، برعاية مواطنه وصديقه وحاميه زيدان.
حاز اللاعب الفرنسي 13 لقباً مع النادي الإسباني. وهناك تعرّف على رونالدو، نجم كرة القدم البرتغالي ولعبا سوياً وامتدت بينهما أواصر الصداقة. بنزيما يمرّر الكرة لرونالدو لكي يسددها نحو المرمى ورونالدو يدافع عن بنزيما عندما يتلقى هذا الأخير صفير السخط من الجمهور. وفي مباراتهما الأخيرة تعانقا وخلع كل منهما فانلته وأهداها للثاني.
وطوال السنوات الخمس الماضية ظل الجدل دائراً حول صواب طرد بنزيما من المنتخب أو عدم صوابه. ولأول مرة يتدخل السياسيون والمثقفون والفنانون في النقاش، إلى جانب المسؤولين عن الرياضة ومعلقي الصحافة. وقالت فئة من المهاجرين إن القرار لا يخلو من عنصرية. أما رئيس الاتحاد الفرنسي لكرة القدم فقد وقف ووضع يده على شاربه وأعلن أن هذا اللاعب قد انتهى ولا عودة له إلى المنتخب. وها هو يعود. ولا يكتفي بالعودة بل يسجل، قبل أيام، ثنائية في مرمى الفريق البرتغالي. يخرج عشاق الكرة إلى الشوارع في ليون وباريس ومرسيليا ليهتفوا باسم بنزيما. إنه أمل الفرنسيين في الفوز بالبطولة.