د. محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

فلسفة الرواتب والحوافز «التخديرية»

عندما نعلن في مجلس الإدارة عن دراسة السوق لإعادة النظر في سلم الرواتب والحوافز المالية، يبتهج الموظفون عادة. غير أن كل مجلس إدارة شركة أو حكومة دولة تجد نفسها أمام ثلاثة خيارات: إما أنها تدفع «أكثر» من نظرائها أو منافسيها، أو «تساويهم»، أو «تتراجع» عنهم. هنا تبقى الخيارات المطروحة ثلاثة أيضاً؛ وهي استراتيجية أن نتفوق على منافسينا (lead)، أو نسايرهم أو نعطي أقل من السوق (lagging behind)، على اعتبار أننا قبلة القطاع كله أو لم نعد بحاجة لاستقطاب جميع المراتب الوظيفية.
وما أكثر تراجع الشركات والحكومات عندما تعد دراسة من جهة مستقلة معتبرة لتكتشف أنها تمنح العاملين لديها أكثر من نظرائها المتجانسين مع طبيعتها. وهذا ما يجرنا لمسألة عدم التحمس أو انخداع المرشح لوظيفة جديدة لتلك الوعود البراقة عن دراسة السوق، لأن توصياتها قد تلتهم امتيازات أو علاوات تبين أنها لم يكن لها داعٍ.
ورغم تلك المحاولات التطويرية فإن الراتب لا يعد مغرياً كافياً. فليس من المعقول أن يتقاضى رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون 6666 جنيهاً إسترلينياً شهرياً، بحسب ميزانية عام 2021 (أو نحو 9.4 ألف دولار)، وهو ما يزيد قليلاً على راتب وزير بالكويت مع الفارق لجسامة مهامه. كما أنه بعد دفع جونسون لضريبة الدخل سيصبح راتبه الشهري مساوياً لأول راتب يتقاضاه شاب كويتي في هيئة عامة من دون أي سنوات خبرة سابقة (5800 دولار). والرئيس الأميركي وسائر الدول المتقدمة ليست رواتب زعمائها ببعيدة عن ذلك. لأن الأمر مرتبط بالخدمة العامة أو بفلسفة أخرى وهي الحوافز غير المادية.
فهناك من هو مستعد للتنازل عن عشر أو خمس راتبه في سبيل أن يتمتع بأجواء عمله الحالية المستقرة أو أن ينهل من علم وخبرة مسؤول ضليع في مجاله. وهناك من يرى أن الموضوع ليس مجرد راتب يراه البعض هزيلاً، بل هو مسار وظيفي وتدريبي واضح يمكن أن يشق من خلاله المرء طريقه نحو طموحه أو مجده أو ربما «مشروعه التجاري» الصغير مستقبلاً.
مشكلة الحوافز غير المادية أنها معلقة بعامل «الرضا». فإذا لم يرَ الفرد في «برستيج» مقر عمله أو سمعته أو ثقافته السائدة شيئاً يذكر، فإن محاولات إقناعه بها ستذهب هباء منثوراً. لأن المعنويات لا تشكل له الرضا الذي تحققه الماديات.
والرواتب والحوافز عموماً قد تعد على شكلٍ «إبر تخديرية»، وما إن يفيق صاحبها ليكتشف أنها لم تكن سوى راتب مغرٍ لأول وهلة غير زياداته اللاحقة لم تساير، على أقل تقدير، معدلات التضخم وهي الزيادة السعرية للسلع والخدمات.