طارق الشناوي
ناقد سينمائي مصري
TT

دموع نازك السلحدار وكبرياء صفية العمري!

في التسعينات من القرن الماضي وحتى مطلع الألفية الثالثة، كان المصريون في شهر رمضان يتسابقون على شراء نوع من أفضل أصناف البلح، أطلقوا عليه من فرط إعجابهم بلح «نازك السلحدار»، وأحياناً بلح «صفية العمري»، كما أن الطبقة الثرية في المجتمع كانت تحرص على اقتناء «ماركة» من السيارات أطلقوا عليها «عيون صفية»، حيث كانت كشافات الإضاءة في تلك السيارات الفارهة تذكرهم أيضاً بعيون «نازك» في مسلسل «ليالي الحلمية».
كثيراً ما أتوقف أمام النجاح الطاغي الذي يملك أشواكاً دامية تؤذي أولاً صانعها، عندما يتحول العمل الفني إلى حائط عالٍ يصعب تسلقه أو اختراقه، يمنع رؤية أعمال أخرى قدمها الفنان، مهما بلغت أهميتها.
مثلاً الشاعر السوداني الكبير الهادي آدم صاحب قصيدة أم كلثوم «أغداً ألقاك»، صار يكره أن يطلب منه أحد في أي منتدى ثقافي أن يلقي تلك القصيدة، التي حالت دون تأمل باقي أشعاره، التي يراها أكثر أهمية، ستجد أيضاً الكاتب المغربي الكبير محمد شكري وروايته الشهيرة «الخبز الحافي» التي تتناول جزءاً من سيرته الذاتية، صارت مرادفة لاسمه، ومنعت أن يتذكر له الناس روايات أخرى.
أتذكر الرائعة سناء جميل وهي تثور في وجه كل من يسألها من الإعلاميين عن دوريها «نفيسة» في «بداية ونهاية» و«حفيظة» في «الزوجة الثانية»، أو حمدي أحمد وهو يتوعد كل من يذكره بدور القواد «محجوب عبد الدايم» في فيلم «القاهرة 30».
قدمت صفية العمري الكثير من الأدوار الهامة قبل وبعد «نازك»، مثل أفلام «المهاجر» و«المواطن مصري» و«البيه البواب»، ومسلسلات مثل «هوانم جاردن سيتي» و«أوبرا عايدة» وغيرها، ولكن لا تزال نازك السلحدار تسرق الكاميرا.
صفية مثل أغلب نجمات الأجيال السابقة تضاءل الطلب عليهن، وبات الوجود على الخريطة شحيحاً ونادراً، عرض لها مؤخراً مهرجان «الإسماعيلية» فيلمها القصير «كان لك معايا» للمخرجة روجينا باسيلي، أدت دور امرأة يهودية تعيش في مصر، كانت تفصل ملابس سعاد حسني في الأفلام، ودارت الأيام ولم تتزوج الرجل الذي أحبته، وتماهت الشخصية درامياً مع سعاد حسني، والتي أيضاً عانت قبل الرحيل من غدر الزمن.
قالت صفية في الندوة التي أقيمت بعد عرض الفيلم، إن الشخصية لا تعبر عنها من قريب أو بعيد. سألتها ما الذي يجرح الفنان بعد أن يمضي به قطار العمر؟ قالت إن الإجابة التقليدية هي عندما يتضاءل الطلب عليه، لأنه يشعر أن بداخله طاقة مكبوتة، إلا أنها أضافت: «ما يجرح الفنان أكثر هو أن يرشح لدور لا يتناسب مع اسمه ولا تاريخه، هذا هو الألم الحقيقي الذي يدميه، لأنه يبدو وكأنهم يقولون له هذا هو حجم وجودك الآن، على الخريطة، فلا تطمع في المزيد».
أضافت صفية: «مع الأسف البعض يفعلها بحسن نية، وهو لا يدري أنه يمسك بخنجر مسموم ويطعن الفنان في أعز ما يملك، وهو شرفه وتاريخه الإبداعي».
لم تتحمس أبداً صفية العمري لتقديم سيرتها الذاتية، وأكدت رفضها تماماً للفكرة، فهي ترى أن هناك من هم أحق بتجسيد حياتهم من العلماء والأساتذة والمفكرين، ورغم ذلك قالت إنها تفخر بتاريخها، ولو رجع بها الزمن لأعادت مجدداً كل صفحاتها الشخصية والفنية، وعلى رأسها نازك السلحدار!!