من المقرر في 16 - 18 مايو (أيار) 2022 عقد مؤتمر عالمي في سان بطرسبورغ حول الحوار بين الثقافات والأديان تحت رعاية الاتحاد البرلماني الدولي. جاء بهذه المبادرة رئيسة المجلس الأعلى في البرلمان الروسي (مجلس الاتحاد في الجمعية الفيدرالية) فالنتينا ماتفيينكو، ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف. سيُعقد هذا المؤتمر بمساعدة «اليونيسكو» و«تحالف الحضارات» التابعَين للأمم المتحدة ومكتب الأمين العام للأمم المتحدة. وقد دعم أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة، هذا المشروع بحرارة.
على الأغلب أن المناقشات في المؤتمر ستجري على مسارين: مسار المناقشات بين الأديان، ومسار المناقشات بين الثقافات. ومن المخطط دعوة عدد كبير من الضيوف إلى هذا المؤتمر، بما يزيد على 3 آلاف شخص، بما في ذلك جميع رؤساء الدول.
يتم التخطيط لمناقشات مواضيع مختلفة بمشاركة البرلمانيين والزعماء الدينيين والنشطاء والخبراء من المنظمات الدينية والثقافية والعلمية وغير الحكومية، وممثلي الشباب من مختلف الأجناس والانتماءات العرقية والدينية، وأشخاص من مختلف البلدان والمناطق. بالإضافة إلى ذلك، يخطط شركاء المنظمين لفعاليات موازية حول مواضيع ذات صلة.
من بين الموضوعات الرئيسية للمناقشة، والتي يدرسها المنظمون في هذه المرحلة فيما بينهم، على سبيل المثال: تعزيز التضامن في حقبة ما بعد الجائحة، ومكافحة التطرف العنيف من خلال التعاون بين الكيانات السياسية والدينية والعلمانية، وتعزيز ثقافة الحوار الشامل للمجتمعات الشاملة، وإشراك الكيانات الدينية في التنمية المستدامة والعمل الإنساني، وتشجيع ممثلي الشباب كمرشدين من أجل السلام، وحماية أماكن العبادة والآثار التاريخية، ومكافحة التحريض على الكراهية وكراهية الأجانب، وقيمة المواطنة كضمان لسيادة القانون والدولة، وحوار الأديان من أجل السلام والتعايش.
يمثل المؤتمر، كما يخطَّط له، فعالية دولية تمثيلية خاصة من بين سلسلة الفعاليات التي تُجريها الأمم المتحدة باستمرار من خلال مؤسساتها وعملها بهدف إنشاء مجتمعات سلمية وشاملة مبنية على أساس احترام حقوق الإنسان وسيادة القانون وضمان الاحترام المتبادل. يجدر التذكير بأن المجتمع الدولي قد وافق على عدد من الإعلانات والقرارات الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، بما في ذلك القرار (A-Res-67-104)، الذي أعلن (2013 - 2022) العقد الدولي للتقارب بين الثقافات، وسيأتي هذا المؤتمر تتويجاً له.
عندما تعرفت على خطط المؤتمر تذكرت كيف كنت قبل عقد ونصف ضمن تشكيلة مجموعة رفيعة المستوى لـ«تحالف الحضارات»، وهو مشروع بادر به رؤساء حكومات: إسبانيا لويس ثاباتيرو، وتركيا رجب إردوغان، حيث شاركتُ في العمل على تقرير للأمين العام للأمم المتحدة. شمل حينها المحتوى الرئيسي لهذا التقرير، الذي نُشر في 13 نوفمبر (تشرين الثاني) 2006، والذي عمل عليه أعضاء المجموعة، تحليلاً للعلاقات بين الغرب والعالم الإسلامي، والتي لم تكن في أفضل حال، وتوصيات مناسبة لتحسينها. ربما ليس من قبيل المصادفة أنه من بين الأعضاء العشرين في المجموعة الذين عيّنهم كوفي عنان، والذين مثّلوا جميع مناطق العالم، كان هناك كثير من رجال الدولة والشخصيات العامة في العالم العربي. ومن المثير للاهتمام أن الراحل علي العطاس، وزير خارجية إندونيسيا السابق، كانت له أيضاً جذور عربية. جميع القرارات تم اتخاذها من أعضاء المجموعة بالإجماع.
على الرغم من كل الإنجازات التي حققها «التحالف»، فإنه فشل في التوصل إلى تحسن ملحوظ في العلاقات بين مختلف الحضارات العالمية. فبعد سنوات قليلة من تقديم التقرير وبدء العمل في مكتب الممثل الأعلى للأمين العام للأمم المتحدة لشؤون «التحالف»، ظهر على الخريطة تنظيم «داعش» الإرهابي مكشّراً عن الأنياب الوحشية للمتطرفين اللاإنسانيين والبعيدين عن المثل الإنسانية العليا للدين الإسلامي. لقد فشلت البشرية في إنقاذ الآثار الرائعة والمذهلة بجمالها المعماري وغيرها من آثار حضارات الشرق الأوسط العظيمة، والتي بتنا وللأسف نتحدث عنها بحزن، لأن الكثير منها سيبقي فقط في ذاكرتنا، ناهيك عن العدد الهائل لأرواح الأبرياء التي أُزهقت على يد «همجيّي داعش».
مع ذلك، وبتوجيه ضربات حاسمة إلى الإرهابيين وتشويه سمعة آيديولوجيتهم، تمت تهيئة الظروف لتنشيط عمل «التحالف» الذي وصل إلى آفاق جديدة، إذ ليس من قبيل المصادفة أن يكون هذا «التحالف» بالذات أحد الشركاء الرئيسيين لروسيا في تنظيم المؤتمر العالمي.
لكن دعونا نرَ أيٌّ من مقترحات وتوصيات التقرير تم تنفيذها خلال هذه الفترة. بالطبع، بالإضافة إلى المشكلات والعقبات السابقة، ظهر كثير من المشكلات الجديدة، منها خطوط التقسيم الجديدة في العالم، بما في ذلك داخل مجتمع الدول، والصراعات في العقد الثاني من قرننا في الشرق الأوسط والحروب الأهلية. على سبيل المثال تحدثنا في التقرير عن «الإلحاح المتزايد للقضية الفلسطينية»، وأن التقدم في حل نزاع الشرق الأوسط يعتمد «على الاعتراف بالتطلعات القومية الفلسطينية واليهودية، وعلى إنشاء دولتين مستقلتين ذات سيادة تامة تعيشان جنباً إلى جنب في سلام وأمن». من أجل ذلك، «لن يُطلَب من إسرائيل قبول إنشاء دولة فلسطينية قابلة للحياة فحسب، بل تسهيل ذلك». لكن أين كل هذا؟ لقد أصبح تحقيق تلك الأهداف الموضوعة أكثر وهمية. أما اقتراح وضع «كتاب أبيض» حول الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني فلا يزال معلقاً. وهناك فرصة لتحوّل عدم الاستقرار في أفغانستان المذكور في التقرير إلى مواجهة أهلية واسعة النطاق.
أما التوصيات بالاحترام الكامل والمتسق للقانون الدولي وحقوق الإنسان، فبقيت رغبةً فقط لم تتحقق. ومن الواضح أن مساعدة المجتمع المدني والمنظمات الدولية في «تنمية ثقافة التسامح واحترام جميع الأديان ودور العبادة» غير كافية. ويمكن قول الشيء نفسه عن «تربية احترام الثقافات المختلفة من خلال فهم القيم والمثل المشتركة» بوضعها مقابل مناهج الآيديولوجيات الراديكالية.
إن مشكلة الهجرة التي تفاقمت بشدة، بشكل رئيسي من بلدان الشرق الأوسط وأفريقيا إلى أوروبا، جعلت من الصعب للغاية معالجة قضايا مثل منع المعاملة اللاإنسانية والتمييزية للمهاجرين أو إزالة الحواجز التي تَحول دون التوظيف التي يواجهها العمال المهاجرون والأقليات العرقية، وضمان وصولهم إلى أنظمة التعليم والخدمات الاجتماعية.
ومع ذلك، فقد بذل العالم الكثير لنشر احترام التنوع الثقافي، وضمان التعايش السلمي بين الأديان والجماعات العرقية، ودعم الحوار كوسيلة لحل التناقضات والصراعات.
كما تعلمون، تم إعلان يوم 21 مايو «اليوم العالمي للتنوع الثقافي» من أجل الحوار والتنمية، لبناء الجسور بين الثقافات والأديان. ولكن، وفقاً لميغيل موراتينوس، الممثل السامي «لتحالف الحضارات» التابع للأمم المتحدة، «على الرغم من جهودنا، لا تزال النزاعات القائمة على أساس ثقافي، والتطرف، وكراهية الأجانب تدقّ إسفيناً بين الثقافات، بحجة أن التنوع الثقافي مصدر انقسام وليس أساساً للمجتمعات الغنية والشاملة والمستدامة».
فهل سيساعد الحوار التمثيلي الواسع في بناء عالم من هذه المجتمعات؟
8:2 دقيقه
TT
هل يساعد حوار الحضارات على تحقيق سلام مستقر؟
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة