حنا صالح
كاتب لبناني
TT

في صبيحة اليوم الـ600 على بدء ثورة الكرامة

كل المعطيات متوفرة لأن تتكرر «17 تشرين» بشكلٍ أوسع وأضخم وأشمل.. متى وكيف وفي أي لحظة، هذا ما يصعب التكهن به، لكن الأمر بات محتماً؛ لأنه بعد 600 يوم على ذلك الحدث يصح على الطبقة السياسية وقائدها «حزب الله» القول المأثور إنهم «لم ينسوا شيئاً ولم يتعلموا شيئاً!»؛ كل الانتهاكات للحقوق والكرامات، وكل الممارسات التي تسببت في هذه الانهيارات، وإيصال البلد إلى الحضيض لم تتوقف لحظة، بل إنهم يمعنون في السلبطة والنهب وتعميق الفقر، غير آبهين بالمجاعة وما ستؤدي إليه، ولا بتلاشي المؤسسات وخراب الدولة!
المنهبة مستمرة حتى آخر فلس من ودائع متبقية من تعب الناس بعد المقامرة الكبرى. إنهم يخيرون المواطنين ويبتزونهم بين العتمة الشاملة أو القليل من تأمين الكهرباء ولفترة قصيرة! ويبتزون البلد بين إمعان المحتكرين بحجز الأدوية والمستلزمات الطبية أو السطو على جزء آخر من أموال متبقية! إنهم يشترون الوقت من جيوب المودعين، وكل إجراءاتهم المالية على ما تضمنه تعميم المصرف المركزي بخصوص «الخرجية» للمودعين، سترتب تضخماً وغلاءً مضاعفاً مع ضخ نحو 27 تريليوناً من الليرات التي سيتحول الكثير منها إلى دولارات فيطير سعر الصرف بعد تضاعفه! وما من جهة أطلعت المواطنين على تداعيات الأعباء الجديدة وأكثرية المواطنين لا يملكون حسابات بنكية ولا «خرجية» لهم! ولعل الأمر الخطير أن خلفية طروحات حاكم مصرف لبنان هاجس «تنقية» القطاع المصرفي بإخراج المتبقي من صغار المودعين، فمنحى قفل الحسابات يتسع والظلم سيشمل نحو 85 في المائة من المودعين الذين خرج منهم فعلياً حتى الآن قرابة 35 إلى 40 في المائة!
بعدما أمعنوا في نهب «الكابيتال» وضعوا مشروع «كونترول» للقضاء على المتبقي، فجاء المشروع مخالفاً للدستور، ومناقضاً لقانون الموجبات والعقود، وقانون التجارة وقانون حماية المستهلك وقانون النقد والتسليف. بل كان جُلَّ همّ لجنة المال والموازنة نسف مبادئ النظام العام؛ إذ بعد تأخرها نحو 18 شهراً عن وضع مشروع حقيقي لـ«الكابيتال كونترول» تظهر أن همّها تحطيم الطرف الأضعف، أي صغار المودعين الذين تعرضت أموالهم إلى «هيركات» قسري بلغ نحو 70 في المائة لسدّ فجوة الخسارة الهائلة! إنه كابيتال كونترول انتقائي الهمّ الوحيد الذي يستهدفه إعادة توزيع الدخل والثروة في مصلحة الأقوى! في هذا التوقيت يتسع فتح ملفات رياض سلامة في أوروبا، والجديد أمام النيابة العامة لمكافحة الفساد في باريس، بعدما فتحت الملفات في بريطانيا في أبريل (نيسان) الماضي أمام «الوكالة الوطنية لمكافحة الجريمة»، وقبل ذلك أمام القضاء السويسري بتهم غسل الأموال! المطلعون على الأمور يقولون من الصعب أن يكون سلامة هو الناهب الأكبر، لكن الأكيد أنه عقل طبقة سياسية ناهبة قاتلة يعرف بدقة حجم ارتكابات كل طرفٍ منها! وفي حين يصمت القضاء اللبناني ولا يتحرك ولا يسأل، كما لا يبدو عليه أي اهتمام بما يحدث ويدور حول أموال طائلة تم إخراجها تباعاً من لبنان بتجاوز فظ لحد السلطة الممنوحة للحاكم، انطلقت جوقة من المسترزقين في محاولات يائسة لتبيض الصفحة السوداء، بإطلاق التهم أن ما يجري من خلال القضاء الأوروبي مفبرك من جانب مجموعات تحمل أجندات (...) تتخفى خلفها أحزاب وجهات تريد الإساءة للقطاع المصرفي والبلد! قال الإساءة للمصارف رجاء ممنوع الضحك!
وبعد لا حكومة ومزيد من دفع البلد إلى الفراغ والترهل لخدمة الخطر الزاحف. وإذا كان من غير المعروف ما ستكون عليه نصيحة نصر الله اليوم بعد النصيحة السابقة بالاستعانة بصديق، والصديق كان نبيه بري، فإن باسيل استبق أي استهداف لتياره بالإعلان أنه لم يعد جائزاً بقاء سلاح «حزب الله» خارج الشرعية، في حين مسؤول آخر في التيار البرتقالي هو ناجي الحايك وصف «حزب الله» بالشيطان الأخرس الذي يقف إلى جانب بري والحريري على حساب التيار الوطني... المهم يجب «تشجيع اللعبة الحلوة» رغم كل هذه المرارات!
وسط كل هذه التطورات ينبغي تحويل انتخابات نقابة المهندسين إلى علامة فارقة. إنها مناسبة لعدم تضييع أي جهد يؤدي إلى توحيد المتضررين الموجوعين في هذه المعركة؛ لأنه على ذلك يتوقف استعادة هذه النقابة لكل قطاع المهندسين ومن أجل خدمة قضية التغيير في البلد، قضية «17 تشرين» وأولوية استعادة الدولة المخطوفة.
الضرر اللاحق بهذا القطاع كبير وعالم المهندسين ليس جزيرة معزولة والانهيارات شاملة وعميقة، والضرر اللاحق بالبلد ككل مدمر ومخيف لجهة الفوضى في العمران والاستئثار بالأملاك العامة والانتهاكات التي لم تترك شيئاً، كان الكثير منها نتيجة تغييب دور نقابة المهندسين، التي وقعت لعقود طويلة تحت قبضة قوى التسلط الطائفي والانتهاكات الفظة التي أقدمت عليها. واليوم بعد ثورة تشرين آن أوان كسر هذه الحلقة الجهنمية. التحدي الأكبر، بعيداً عن كل أشكال الابتزاز القائمة والرغبات الشخصية والحسابات الفئوية، ومنحى بعض الجهات إلى محاولة الاستئثار، يكمن في التوافق على كل أعضاء الفريق الذي سيقود المرحلة الآتية من حيث الرؤية وبُعد النظر والمعرفة والكفاءة والتجربة، وكذلك الحيثية للشخص الذي ينبغي اختياره لقيادة هذا الفريق والتقدم لشغل موقع النقيب.
«مهندسون مستقلون» هذه الجماعة التي تبلورت في قلب هذه المعركة واكتشفت موقعها الحقيقي في ساحات تشرين، وكذلك «التيار المهني» التاريخي وكل خبرته ودوره بين المهندسين... إلى جماعات خيّرة أخرى، كلهم أمام تحدي بدء معركة تجمع مهندسي لبنان من صور إلى بعلبك ومن زحلة إلى جونية ومن الشوف إلى المتن وبعبدا وسواها مع بيروت، فالمهمة ملحة وضرورية، وبقدر ما ستبلور هذه المعركة الشمول المطلوب فإنها ستكون كذلك شعلة لاستعادة مناخ ثورة تشرين التغييري.
وكلن يعني كلن وما تستثني حدن منن.