حمد الماجد
كاتب سعودي وهو عضو مؤسس لـ«الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان السعودية». أستاذ التربية في «جامعة الإمام». عضو مجلس إدارة «مركز الملك عبد الله العالمي لحوار الأديان والثقافات». المدير العام السابق لـ«المركز الثقافي الإسلامي» في لندن. حاصل على الدكتوراه من جامعة «Hull» في بريطانيا. رئيس مجلس أمناء «مركز التراث الإسلامي البريطاني». رئيس تحرير سابق لمجلة «Islamic Quarterly» - لندن. سبق أن كتب في صحيفة «الوطن» السعودية، ومجلة «الثقافية» التي تصدر عن الملحقية الثقافية السعودية في لندن.
TT

الكتابة الساخرة المهددة بالانقراض

يتحسر الزميل ذو الحرف الأنيق العميق سمير عطا الله، في مقاله الماتع «أين اختفى الساخرون؟»، ويشكو عقم الساحة الصحافية في أن تنجب كتاباً جادين في فكرتهم، ساخرين في أسلوبهم، من أمثال الكاتب الساخر الأشهر محمود السعدني، وأضيف له جهاد الخازن وجلال عامر وغيرهما «قليل». والكتابة الساخرة «صنعة» لا يجيدها إلا النادر من الكُتاب ذوي المهارات النادرة، ولهذا صار عطاؤهم ومقولاتهم الأكثر تداولاً ورواجاً؛ خذ مثلاً بعض مقولات الكاتب اللذيذ جلال عامر رحمه الله: «الأمة التي تفضل التغيير وهي على السرير، لن يغيروا لها إلا (البامبرز)»، «نشكو من التدخل الأجنبي بعد أن نرسل لهم بطاقة الدعوة»، «في العالم الثالث يمتلك الحاكم حكمة لقمان، ورجال الأعمال مال قارون، والشعب صبر أيوب»، «بعد أن حصل على (الليسانس) بدأ في (تحضير) الماجستير، وبعد أن حصل على (الماجستير) بدأ في (تحضير) الشاي للزبائن»، «إننا شعب مغلوب على أرضه وبين جماهيره».
فالكتابة الساخرة ليست نكتة ساذجة ولا تهريجاً أبله، ولا تصنع الكلمة للضحك، بل تأخذ فكرة جادة يقولبها إبداع الكاتب الساخر لتصل إلى ما عجزت عن الوصول إليه الكتب النخبوية والأبحاث المملة والمقالات المطولة، فالكاتب الساحر الساخر لديه مقدرة فذة على نقد المظاهر السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وهو أيضاً حر شجاع لا تلعب به المؤثرات والمغريات ولا التهديدات، فلا يمكن أن يكون كاتباً ساخراً ساحراً جماهيرياً وقلمه «ديك ريح» يتمايل على أنغام «ما يطلبه المستمعون».
وما زلت أتذكر حين استكتبتني صحيفة «الشرق الأوسط»، وكنت في أولى خطوات الكتابة الصحافية، قال لي الزميل عبد الرحمن الراشد حينها: «عندك أسلوب الكتابة الساخرة وهو مطلوب مرغوب»، لكن القلم ولسبب لا أعرفه حاد عن الكتابة الساخرة وضاعت فرصة ثمينة لتنميتها وتطويرها، ولا يقولن أحد: لديك الفرصة للعودة للكتابة الساخرة، لأن الرد موجود في المثل الخليجي الساخر «بعد ما شاب ودوه الكتاب». هناك أيضاً «الأسلوب الرشيق»، وهو ابن عم «الأسلوب الساخر»، لكنه بالتأكيد ليس في مستوى رواج الثاني وشعبيته، ويبرز منهم عدد من الكتاب كالزميل غسان شربل، خصوصاً في تغريداته، والزميل سمير عطا الله في مقالاته، والصديق زياد الدريس، وله أيضاً مقولات وتغريدات ساخرة، وكنت إذا لاحظت في كتابته بعداً عن الأسلوب الرشيق قلت له: إياك أن تبتعد عن «بصمتك» التي عرفها الناس عنك.
نكش الزميل سمير عطا الله موضوع الكتابة الساخرة المهددة بالانقراض، والمأمول أن يخرج من أصلاب العرب كتاب ساخرون يساهمون بفذلكتهم وسخريتهم في تقويم اعوجاج بلدانهم.