مارتن إيفينز
بالاتفاق مع «بلومبرغ»
TT

ديكورات جونسون: قضية تافهة أم فساد؟

ثق بقدرة البريطانيين على تحويل قصة الفساد السياسي إلى حكاية عن الطبقة الاجتماعية والأثاث باهظ التكلفة. لكن الخدع الأخيرة في حزب المحافظين الحاكم كشفت كثيراً عن النخبة الحاكمة في السياسة البريطانية، فكما هو الحال في الولايات المتحدة، فإن بريطانيا تطمح الآن إلى ثروة ورفاهية وأسلوب حياة الأثرياء العالميين. فالفجوة بين أعلى 5 في المائة في المجتمع والباقين لم تكن يوماً بهذا الاتساع، ولم تكن واضحة بدءاً من أماكن قضاء العطلات إلى ديكورات المنزل. لكن بالنسبة لقائد دولة، قد يكون من الصعب قبول ذلك.
لم تكن مفاجأة حقيقية حين اتُهم بوريس جونسون باتباع طرق مخادعة لتمويل ديكورات مكتبه في رقم «10 داونينغ ستريت» وما صاحب ذلك من انعدام الشفافية عندما طلب من أحد المتبرعين المساعدة في تجاوز سقف التكاليف المسموح بها، وبشكل باهظ التكلفة. يعتقد رئيس الوزراء أن الجمهور البريطاني لم يتأثر بفضيحة «المال مقابل الستائر» (إشارة إلى تمويل ورق الحائط)، لكن تلك الطبقة الاجتماعية تعتبر منطقة خطرة في المملكة المتحدة، حتى بالنسبة لشخص مثل جونسون، ماهر في سد الفجوات.
كانت الفضائح السياسية البريطانية بسيطة؛ حيث جرى إسقاط حزب العمال المتحدر من عائلات متوسطة أو منخفضة الدخل بسبب مخالفات مالية وشبّهوهم بمن خانوا المثل العليا للاشتراكية، وبأزمة المال في «هارولد ويلسون» في السبعينات، وعصر توني بلير قبل انهيار بنك «ليمان براذرز». أما النواب المحافظون الأثرياء الذين صوروا أنفسهم على أنهم أوصياء على القيم الأسرية، فسوف تُنشر أخبارهم في الصحف الشعبية التي ستكشف علاقاتهم التي أقاموها خارج نطاق الزواج ودفع رواتب مرافقين من خزينة الدولة.
كان رئيس الوزراء موضوعاً لقصص لا حصر لها عن عشيقات وطفل ولد خارج علاقاته المعترف بها، ويواجه الآن كثيراً من الأسئلة والاستجوابات الرسمية بشأن «ورق الحائط» الذي اشتراه لمكتبه. ويُعتقد أن مصدر الكشف هو كبير مستشاري جونسون السابق، دومينيك كامينغز، الذي كان يخطط للانتقام بعد إقالته العام الماضي.
لكن التسريب الأكثر لفتاً للانتباه بالنسبة لكثير من البريطانيين كان سعيه هو وزوجته، كاري سيموندز، إلى العيش في رفاهية عصرية، عندما تعاقد مع مصممة الديكور لولو ليتل التي تتقاضى أجراً باهظاً.
وبحسب ما ورد، سعت سيموندز للحصول على ورق حائط بقيمة 840 جنيهاً (1165 دولاراً) وغيرها من المستلزمات الفاخرة لتحل محل ديكورات «جون لويس»، التي تركتها تيريزا ماي.
تعد متاجر «جون لويس» ذات الأقسام المتعددة، المفضلة لدى الشارع البريطاني وبأسعار معقولة بما يكفي لجيوب الطبقة المتوسطة، بينما لا يتعامل مع شركة «لولو ستايل» سوى أصحاب الجيوب العميقة. وللمساعدة في سداد الفاتورة التي زادت بمقدار 58 ألف جنيه إسترليني عن المخصص الرسمي، البالغ 30 ألف جنيه للقيام بالتجديدات، أقدم جونسون على الاتصال بأحد المتبرعين.
لكن على الجانب الآخر من الجدال، دافعت مجلة «تيتلر» عن جونسون متسائلة عن سبب عدم حصول رئيس الوزراء على مكان أنيق للعيش فيه، مجادلة بأن رئيس الوزراء أراد فقط إعداد مكان أنيق، وأن كثيراً من الديمقراطيات الأخرى تمنح قادتها مكاتب وشققاً أكثر فخامة، فـ«داونينغ ستريت» ليس قصر الإليزيه. على سبيل المثال، يشتهر الرئيس الأميركي جو بايدن بأذواقه المتواضعة، لكن لديه طائرة الرئاسة وموظفين كباراً في المكتب البيضاوي تحت تصرفه. لكن القصة تتعلق بالقلق العميق الذي يشعر به قادة المملكة المتحدة بأنه يحق لهم القيام بأشياء تتجاوز أحلام الناس العاديين بالإنفاق ببذخ من المال العام.
وعلى العكس من كاميرون، فقد درس جونسون وسدُدت تكاليف تعليمه في كلية إيتون البريطانية ذات المصروفات الباهظة من خلال منحة أكاديمية. وفي السنوات الأخيرة تنازل عن موقعه ككاتب عمود وسيرة في صحيفة بدخل كبير وتنازل عن غيرها عند توليه منصبه، واستنزف باقي دخله بسبب النفقة وإعالة الطفل. ورغم ذلك، وبصفته رئيس الوزراء الأكثر إثارة للجدل في العقود الأخيرة، سيكون هناك طلب كبير على ترك منصبه.
على الرغم من أن البريطانيين محقون في إبقاء إنفاق قادتهم ضمن الحدود المعقولة، فإن الرئيس التنفيذي يحتاج إلى أماكن خاصة لائقة للتقاعد من وظيفته الصعبة. كان من المعتاد في الماضي منح رؤساء الوزراء بدلات لقضاء عطلات نهاية الأسبوع في الريف، وسيكون من المنطقي تقديم مال إضافي لصيانة مكتب رئيس الوزراء.
كما هو الحال في كثير من الأحيان في الفضائح، فإن التستر وليس الجنحة ذاتها، هي التي توقع الجاني في المشكلات.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»