تيلر كوين
TT

«كوفيد ـ 19» أظهر الضعف في اتخاذ القرارات الكبيرة

قلب السلوك البشري خلال جائحة «كوفيد» أحد أكثر الافتراضات الأساسية للاقتصاد رأساً على عقب، حتى لو لم يقر خبراء الاقتصاد بعدُ بالاعتراف بذلك. باختصار، اتضح أن الناس أسوأ في اتخاذ القرارات الكبيرة والمهمة مما كان يُعتقد في السابق، وأفضل في القرارات الصغيرة التافهة.
ترى نظرية الاقتصاد القياسي أن الناس يتخذون قرارات جيدة نسبياً عندما يكون هناك الكثير على المحك. على أقل تقدير، فهم يفكرون في المشكلة بعناية حتى لو لم يصلوا دائماً إلى النتيجة المثلى. وعلى العكس من ذلك، عندما تكون المخاطر محدودة، فإنهم يتعاملون مع معلومات أقل وقد تكون القرارات التي يتخذونها غير سليمة. فالناس لا يتضايقون كثيرا بشأن نوعية دبابيس الورق التي يجب شراؤها. ومع ذلك، بالنسبة لبعض مجالات الحياة بالغة الأهمية، لا يصح هذا التمييز، وهو ما تبين لنا خلال فترة الوباء بوضوح تام. فقد رفض ملايين الأشخاص التطعيمات أو قاموا بإرجائها رغم أن مخاطر لقاحات «ميرنا» تبدو صفرية وأنها تنقذ الأرواح. وحتى العديد من العاملين في مجال الرعاية الصحية المعرضين لخطر الإصابة بـ(كوفيد - 19) قرروا عدم تلقي التطعيم.
يبدو أن المخاطرة بشكل عام قد تغير مسارها. ففي حين أن العديد من بين 600 ألف أميركي الذين لقوا حتفهم بسبب «كوفيد - 19» كانوا ضحايا للظروف، فقد كان أقصى تضحيات قدمها آخرون مثلاً عدم الخروج والبقاء لتناول الطعام في البيت عندما كان «كوفيد - 19» متفشياً في مجتمعهم.
من الممكن أيضا أن تخطئ في الاتجاه المعاكس. ففي سان فرنسيسكو، لا يزال من الشائع رؤية أشخاص يرتدون أقنعة وهم يركضون بمفردهم في الحديقة. ويبدو أن العديد من الأشخاص غير قادرين على العودة واستئناف حياتهم الطبيعية التي كانوا يعيشونها قبل الوباء - رغم أن القيام بذلك قد يجعلهم أكثر سعادة.
كانت الدول غير عقلانية أيضا رغم أن المخاطر كان من الممكن أن تكون أكبر، بما في ذلك القادة السياسيون أنفسهم، سواء كانت مخاطر «كوفيد - 19» أو حوافز إعادة الانتخاب. المثال الأقل تسييساً هو تايوان التي بشرت في وقت مبكر برد قوي على الوباء. ولكن بعد ما يقرب من عام ونصف العام من المخاطر العالية، لا تزال تايوان تفتقر إلى نظام اختبار جيد، كما أنها لم تضع قائمة بخيارات لقاحات كافية. فقد أصبحت استجابتها بيروقراطية وبطيئة وغير عادية، ولا تليق بكيان فاعل وعقلاني قادر على الاستجابة.
قد تتساءل لماذا نتخذ هذه القرارات الكبيرة والمهمة بصورة خاطئة. لدي فرضيتان على الأقل: الأولى هي أن القلق يجعل الناس يتخذون قرارات أسوأ. ففي مواجهة خطر تفشي جائحة مميتة، على سبيل المثال، قد تدفعني المخاطر الأكبر إلى التحول إلى الإنكار، حتى لو كان ذلك فقط لحماية سلامة عقلي وراحة بالي. قد اتخذ قرارات أسوأ مما لو كنت أحاول ببساطة تجنب نزلات البرد، حيث تكون المخاطر أقل بكثير.
فرضيتي الأخرى تتضمن الهوية والرغبة في الانتماء. ليس من قبيل المصادفة أن الولايات الحمراء (ذات الأغلبية التي تميل إلى الحزب الجمهوري) في الولايات المتحدة تعاني من نقص التطعيم مقارنة بالولايات الزرقاء (الحزب الديمقراطي)، إذ إن الشك في اللقاح ما هو إلا إشارة إلى هوية أنصار ترمب. فالناس تميل إلى رؤية القرارات الكبيرة على أنها أكثر أهمية في تشكيل هويتهم من القرارات الصغيرة.
بالنسبة لمعظم القرارات الاقتصادية، لا يزال الناس يتخذون خيارات أفضل عندما تكون المخاطر أكبر - لكن هذا ليس مبدأ عالمياً. هل أنت متأكد، على سبيل المثال، من أن القرارات المتعلقة بمن نتزوج يتم اتخاذها بشكل أكثر عقلانية من تلك المتعلقة بالبرنامج التلفزيوني الذي يجب مشاهدته؟ ربما كذلك، لكن هذا ليس واضحاً تماماً.
التغيير المصاحب هو أن القرارات محدودة المخاطر أصبحت أسهل من أي وقت مضى، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى الإنترنت، مع تحذير واحد مهم هو أنه يجب أن يكون صانع القرار عقلانياً نسبياً. فقبل عدة عقود، إذا كنت ترغب في معرفة أفضل المناشف الورقية التي يمكن شراؤها، فربما تكون قد سألت من حولك ثم جمعت الكثير من المعلومات بنفسك، لكن في هذه الأيام من السهل البحث في الإنترنت عن الإجابة. أو ضع في اعتبارك مثال مكافآت بطاقات الائتمان التي يسهل جمعها والتلاعب بها واستخدامها بسبب الإنترنت.
يكمن الخطر بالطبع في أن مجموع كل هذه الانتصارات الصغيرة يقنع الناس بأنهم عقلانيون بشأن المعضلات الكبيرة أيضاً - رغم حقيقة أنهم يفضلون بعضاً منها بشكل سيئ. لسنا معتادين على عالم نكون فيه أسوأ في اتخاذ القرارات الكبيرة عن الصغيرة، لكن هذا ما يحدث الآن بالفعل.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»