د. محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

قوة الأذن المنسية!

تمكن حشد من المصريين من دفع شخص كاد يوشك على الانتحار إلى العدول عن قراره بالقفز من الدور العلوي، وذلك بعد كلماتهم اللطيفة التي تناهت إلى أسماعه. والأغرب أنهم تدرجوا في «إبساطه» حتى صاروا جميعاً يرددون أهازيج شعبية أطربت المنتحر فقام يشاركهم «رقصة البهجة»!
للكلمات قوة هائلة قد تثني المرء عن أخطر قرار وهو وضع حد لحياته. إذ يقدم على الانتحار نحو 8 ملايين شخص سنوياً؛ أحدهم تلك الآسيوية التي أفلح رجال الإطفاء في الكويت في ثنيها عن الانتحار بعد سماع كلماتهم الرقيقة لتقفز بسلام على شبكة أمان نصبها لها الإطفائيون.
الأذن تتحكم في معظم مشاعر الناس. وبسبب ما يتناهى إلى آذاننا اشتعلت الحروب العسكرية والاجتماعية والتجارية... وكم من لهيب ضغينة أطفأته كلمات جاءت كالبلسم على آذان المجروحين.
ومن أبجديات التفاوض أن نفهم ماذا يريد خصمنا حتى نبني خططنا بذكاء للوصول إلى مبتغانا. وقد ذكر الباحث الشهير الدكتور روجر فيشر في كتابه الرائع Getting to Yes كيف كان للأذن وتكنيكات التفاوض دور محوري أسهم في تحرير رهائن السفارة الأميركية في طهران إبان الثورة عام 1979 ورهائن السفارة اليابانية في بيرو. ويستخدم أيضاً الحكماء أساليب عدة في تحرير رهائن الطائرات وغيرها مثل تلك التي نجحت في تحرير مئات المسافرين على متن طائرة الخطوط الجوية الكويتية (الجابرية) بعد اختطاف مرير دام نحو أسبوعين (عام 1988)، وألقى خلالها الخاطفون جثتي اثنين من ركابها تباعاً من باب الطائرة حيث لقيا حتفهما أمام عدسات وسائل الإعلام العالمية في مطار هواري بومدين بالعاصمة الجزائرية.
والأذن هي أول حاسة تتشكل وظيفياً في جسم الإنسان وهو في بطن أمه. ورغم أن مقلتي العين تتحركان في الأسبوع الثاني عشر فإنهما يفتقدان الإدراك الحسي. وكما ذكرت في سلسلة كتبي بعنوان «الإنصات الفضيلة المنسية» أن العلماء أظهروا أن الإنسان يقضي 40 في المائة من وقته في الاستماع للآخرين، و35 في المائة في التحدث، و16 في المائة في القراءة و9 في المائة في الكتابة. ولولا الأذن (السمع) والبصر معاً لواجه المرء صعوبة بالغة في التعلم. ‏فكثير من أخطائنا ونجاحاتنا وقراراتنا كانت من كلمات تناهت إلى أسماعنا. فالأذن هي القوة المنسية.