صالح القلاب
كاتب اردني وزير اعلام ووزير ثقافة ووزير دولة سابق وعضو مجلس امناء المجموعة السّعوديّة للأبحاث والتّسويق
TT

حرب غزة والموقف السعودي والحقائق الفعلية!

خلافاً لما أصبح يتردد إعلامياً فإنه لا وجود لفصائل فاعلة في قطاع غزة إلا لحركة المقاومة الإسلامية «حماس» التي كما هو معروف قد تخلت عن اتفاقها الأخير مع السلطة الوطنية وافتعلت هذه الحرب الأخيرة مع إسرائيل منفردة، اللهم إلا ما أعلنه إسماعيل هنية من مدينة الدوحة القطرية من أن إيران، التي كرر الشكر لها مراراً، قد كان لها الدور الرئيسي في هذه المواجهة مع «العدو الصهيوني».
كانت «حماس» قد انفردت بحرب الأحد عشر يوماً التي قدمت فيها أكثر من 250 شهيداً وآلاف الجرحى مقابل عشرة قتلى في إسرائيل بينهم جندي واحد، وهذا بالإضافة إلى الخراب والدمار اللذين حلّا بـ«غزة هاشم» التي كان قد غادرها، تحت ضغط الصواريخ الإسرائيلية، أكثر من سبعين ألفاً من الذين فروا بأرواحهم وأرواح أطفالهم، وحقيقة أنه لا تجوز المقارنة بين قوات «ميليشياوية» مزودة بصواريخ بدائية وبين جيش عرمرمي كان قد خاض حروباً متعددة ولديه من التسليح المتطور ما تملكه الولايات المتحدة وتملكه معظم الدول الغربية.
إنه لا يحق لأي شخص كان أن يقارن بين إمكانات «حماس» وإمكانات جيش إسرائيل، جيش العدو الصهيوني، الذي كان قد انتصر في حرب عام 1967 على ثلاثة جيوش عربية، واحتل الضفة الغربية كلها وهضبة الجولان السورية بأسرها حتى مشارف دمشق وأيضاً الضفة الشرقية من قناة السويس ومعها سيناء المصرية، والذي كان قد اجتاح العاصمة اللبنانية بيروت في حرب عام 1982 التي كانت المقاومة الفلسطينية قد صمدت فيها صمود الجبابرة بدعم عربي كان للمملكة العربية السعودية فيه الدور الرئيسي في عهد الراحل الكبير الملك فهد بن عبد العزيز.
إن المقصود هنا هو أنه غير مطلوب من حركة «حماس» المسلحة بصواريخ إيرانية بدائية، يمكن أن يقال عنها إنه لا قدرة للكف أن يواجه المخرز، وهذا مع أن الفدائيين الفلسطينيين، أي جيش المقاومة الإسلامية، قد أبلوا بلاءً عظيماً في مواجهة غير متكافئة تصر إيران، بشهادة إسماعيل هنية، على أنها قد لعبت الدور الرئيسي فيها إنْ بالصواريخ وإنْ بالكفاءات العسكرية.
وحقيقةً، فإنه لا يجوز الحديث عن «فصائل فلسطينية» كانت ترابط في غزة وأنها قد خاضت هذه الحرب المكلفة مع العدو الصهيوني، فالمؤكد أن من خاض هذه الحرب هي حركة المقاومة الإسلامية التي لم تُطلع السلطة الوطنية الفلسطينية عليها التي أنكرت ولا تزال تنكر أن يكون حتى للرئيس محمود عباس (أبو مازن) أي دور فيها، وهذا يعني أنه يعد تجاوزاً لحقائق الأمور أن يجري الحديث لاحقاً عن أنّ هناك «فصائل» في قطاع غزة وأنّ هذه الحرب هي حربها وذلك مع أن القاصي والداني يعرف أن هذا الادعاء غير صحيح على الإطلاق، وأن من خاض هذه الحرب وقدم الشهداء ودفع الثمن غالياً هو حركة «حماس» التي تعترف وبلسان رئيسها إسماعيل هنية أنه كان للإيرانيين دور رئيسي وفاعل في هذه المواجهة.
وهنا فإن السؤال الذي بات يتردد في الآونة الأخيرة كثيراً هو: لماذا يا ترى بات يتم تجنب ذكر «حماس» بالنسبة لحرب غزة هذه والحديث عن «فصائل» وهمية لا دور لها في هذه الحرب التي هي حرب المقاومة الإسلامية والتي قد حرصت حرصاً شديداً على الانفراد بها وعلى أساس أنه لا دور لا للسلطة الوطنية ولا للرئيس الفلسطيني محمود عباس أي دور فيها وأنها قد باتت صاحبة «العقد والحل» بالنسبة للقضية الفلسطينية، وهذا من المؤكد أن كل الأطراف المعنية العربية والدولية ترفضه رفضاً قاطعاً وبالطبع باستثناء دولة الولي الفقيه في طهران ومن هم معها كـ «الحوثيين» في اليمن وبعض التنظيمات الطائفية العراقية و«حزب الله» اللبناني وسوريا «الأسدية» التي ومن أجل الضحك على ذقون الآخرين لا تزال ترفع شعار: «أمة عربية واحدة... ذات رسالة خالدة».
ويقيناً فإن حركة «حماس» قد انفردت بحرب قطاع غزة الأخيرة كي تسحب القرار الوطني الفلسطيني بدعم من إيران وآخرين، هم: «حوثيو» اليمن وأتباع النظام الإيراني في العراق وحزب ضاحية بيروت الجنوبية بقيادة حسن نصر الله وبالطبع نظام بشار الأسد من يد الرئيس عباس ومن السلطة الوطنية وحقيقة أن هذه مسألة غير هينة لا بل إنها غاية في الصعوبة ما دام قد حدث اعتراض دولي عليها، ورفضتها الدول العربية الفاعلة صاحبة القرار، لا بل وقاومتها وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية.
ثم إن ما يجب أن يقال هنا هو أن الدور السعودي الفاعل لم يغب عن هذه القضية ولو للحظة واحدة منذ البدايات التي باتت بعيدة سواء كان في عهد الملك المؤسس عبد العزيز أم في العهود التي تلاحقت على مدى تاريخ قضية فلسطين، فالمملكة العربية السعودية بقيت تلعب الدور العربي الرئيسي في إسناد الشعب الفلسطيني والوقوف إلى جانب قيادته، إنْ في حصار بيروت في عام 1982 وقبل ذلك، وإنْ لاحقاً خلال حصار طرابلس وحتى الآن حتى هذه اللحظة التاريخية الخطيرة.
وكذلك فإنّ ما يجب أن يشار إليه ويقال هو أنّ الموقف السعودي سابقاً ولاحقاً وحتى الآن، حتى هذه المرحلة المصيرية، لم يغب عن قضية فلسطين ولا للحظة واحدة، وأن المملكة العربية السعودية بقيت تحرص حرصاً شديداً على الوحدة الوطنية الفلسطينية، وأنّ الملك عبد الله بن عبد العزيز قد بذل جهوداً مضنية من بينها إبرام اتفاق مكة المكرمة الشهير في عام 2007 بين «حماس» هذه نفسها وبين حركة «فتح» والسلطة الوطنية بقيادة الرئيس (أبو مازن) لكن حركة المقاومة الإسلامية ما لبثت أن ارتدت على هذا الاتفاق التاريخي تحت الضغط الإيراني وتحت ضغط دول عربية كان ولا يزال قرارها في يد الولي الفقيه في طهران.
إنّ هذا كله من المفترض أنه معروف للشعب الفلسطيني بكل قواه وتنظيماته حتى بما في ذلك حركة «حماس» نفسها؛ إذ إن الملك سلمان بن عبد العزيز بقي يتابع الأوضاع الفلسطينية بكل تطوراتها السابقة واللاحقة، وإن المملكة العربية السعودية بقيت حاضرة خلال كل هذه التطورات التي كانت ذروتها حرب غزة الأخيرة التي كانت حركة المقاومة الإسلامية هي من بدأتها والتي رفضت أي مشاركة خارجية فيها لا فلسطينية ولا عربية، اللهم إلا مشاركة إيران الخامنئية كما قال إسماعيل هنية، وهو يقف على رؤوس أصابع قدميه تباهياً، ويؤكد أن هذه الحرب هي حرب حركة المقاومة الإسلامية التي حرصت على ألا تشاركها فيها إلا الدولة الإيرانية وخصوصاً في المجالات العسكرية والمالية.
وهكذا وفي النهاية فإنه، وخلافاً لكل ما يتردد وما يقال، فإن حركة «حماس» قد ركزت ولا تزال تركز كل اهتمامها وكل جهدها على قطاع غزة؛ وإنها لم تقم بأي فعل جدي بالنسبة لمسألة الشيخ جراح والمعروف هنا هو أن حركة المقاومة الإسلامية هذه كانت قد قامت بذلك الانقلاب العسكري الدموي في عام 2007 على حركة «فتح» وعلى السلطة الوطنية الفلسطينية ما يعني أن اهتمامها كان ولا يزال منصباً على هذا «القطاع» الغزاوي وأنّ هدف حرب الأحد عشر يوماً التي كانت قد شنتها على إسرائيل هو أن تكون هذه المنطقة مجالاً حيوياًّ لإيران وعلى غرار ما عليه الأمور في العراق وفي سوريا وأيضاً في اليمن وفي لبنان... وتحديدأً في ضاحية بيروت الجنوبية.