طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

«وحش الكون» يواجه «ملبن مصر»

في السبعينات انتقد الكاتب الكبير أحمد بهاء الدين سياسة الانفتاح الاقتصادي التي أقرها الرئيس أنور السادات، ووصفها قائلاً: انفتاح «السداح مداح». ما تابعناه في عدد كبير من المسلسلات الرمضانية، يستحق أن نطلق عليه دراما «السداح مداح».
الكل صار يبحث عن «لزمة» يكررها الجمهور لتصبح هي «التريند»، وهكذا مثلاً شاهدنا أمير كرارة في «نسل الأغراب» وهو يطلقها صارخاً «كُتّع كُسّح كُسّل»، وتابعنا عمرو سعد في مسلسل «ملوك الجدعنة» وهو سعيد بعثوره على تلك الجملة التي لا يتوقف عن استخدامها «الطموح حلو».
لم يكتفِ النجوم بهذا القدر، وجدنا أكثر من نجم يغازل النجمة التي تشاركه البطولة، وهكذا وصف أحمد العوضي زوجته ياسمين عبد العزيز وشريكته في بطولة مسلسل «اللي مالوش كبير» قائلاً «وحش الكون»، بينما أطلق محمد رمضان في مسلسل «موسى» على سمية الخشاب لقباً هي اختارته من قبل لنفسها «ملبن مصر».
الغريب أن النجوم صاروا يتنابزون فيما بينهم بتلك الألقاب، وكل منهم يؤكد أنه صاحب الجملة «الحراقة» التي ستعيش مع الجمهور من رمضان «21» إلى رمضان «22».
لنا تاريخ موغل في القدم، في هذا المجال، من أشهر النجوم الذين ارتبطوا بـ«لزمة» صارت لصيقة بهم فريد شوقي، بعبارة «وشرف أمي»، والغريب أنها لم تكن مقصورة على فيلم واحد، بل انتقلت معه من فيلم إلى آخر، هذه الجملة يدرك الناس بعدها مباشرة أن فريد شوقي يكذب.
بينما نادية الجندي بدأت رحلتها مع «اللزم» في فيلم «الباطنية» 1980. وردد لها بعدها الجمهور «سلم لي ع البتنجان». تعبير «البتنجان» في الثقافة الشعبية المصرية هو معادل موضوعي لغياب العقل. كررت نادية الجندي استخدام «اللزم» أكثر من مرة، في أفلام أخرى، ولكن بنجاح أقل مثل «ما أحبكش وأنت كده»، بينما ظل «البتنجان» مع الزمن هو عنوانها الأكثر شهرة.
لدينا عدد من الفنانين لم تتصدر أسماؤهم الأفيشات ردد لهم الناس تلك «الإفيهات» مثل توفيق الدقن «أحسن م الشرف مافيش» وعادل أدهم «ادبح يا زكي قدرة» واستيفان روستي «نشنت يا فالح» وعبد الفتاح القصري «كلمتي مش حتنزل الأرض أبداً» وغيرها.
استطاع الجيل القديم أن يخترق حاجز الزمن، ردد تلك الكلمات الأجداد وانتقلت للأحفاد، لا أتصور أن «اللزم» التي استمعنا إليها في رمضان الماضي، سوى أنها مثل عود «الكبريت» تشتعل مرة واحدة.
على الجانب الآخر، أصحاب المسلسلات الجادة مثل «لعبة نيوتن»، لم يصدر أي منهم للجمهور أي شيء خارج عن النص.
ويبقى أن نذكر أن لتلك «الإفيهات» أحياناً مآرب أخرى، لديكم مثلاً أحمد العوضي يغازل زوجته علناً وعلى رؤوس الأشهاد، لأنها منحته أول بطولة مطلقة في حياته، وقطعاً لولا حماسها ما كان من الممكن أن توافق أي نجمة بحجم ياسمين بأن تسمح له بكل هذه المساحة الدرامية، ليصبح هو الشخصية الدرامية المحورية.
بينما رمضان وبرغم إلحاح سمية الخشاب عليه، بأن يأتي اسمها تالياً له مباشرة في المسلسل لتتصدر معه «التترات»، فإنه رفض تماماً هذا التوازي، وأصر على أن يأتي اسمه في «الكادر» منفرداً، وأراد أن يصالحها أمام الجمهور بلقب «ملبن مصر» ووافقت هي على تلك المقايضة!