منذ الأزل وصحراء شبه الجزيرة العربية مقفرة وطاردة للناس، لذلك نجد أن هذه الصحراء يقطنها سكان قليلون لأن معظم سكانها إما أن يهاجروا أو يموتوا بسبب شظف العيش أو قساوة حياة الصحراء، وهذا لا يمنع من وجود استثناءات بسيطة في هذه الصحراء مثل اليمن الذي كان مقصداً لطالبي الحياة.
قساوة الصحراء خلقت عرفاً غريباً بين الأعراب وهو جواز التقاتل بغرض الكسب، واعتبر هذا الأمر مشروعاً وقد نشأت له قوانينه وأعرافه، ومنها دفع الديات في حالة الصلح.
ورغم شظف العيش وقلة الموارد فإن أهل الجزيرة تأقلموا مع الواقع وبحثوا عما يناسبهم ويناسب طقسهم فوجدوا أن الاشتغال بالتجارة والربط بين شمال الجزيرة وجنوبها هو الأمر الممكن في ظل شح الموارد، فكانت تجارة قريش بين الشام واليمن التي وثقها القرآن الكريم وسماها رحلة الشتاء والصيف، وقد حرصت قريش على تأمين خطوط التجارة عبر الأحلاف وعبر المنفعة، فالقبائل العربية التي تمر بها قوافل قريش تبيع وتشتري مع هذه القوافل لذلك سماه القرآن «إيلاف قريش».
ومما يدلل على أن الجزيرة العربية طاردة، استقرار العرب في الشام بعد الفتح الإسلامي واتخاذ دمشق عاصمة خلافة الأمويين زمن معاوية الذي كان والده قائد قوافل قريش، وقد اتخذ العباسيون بغداد عاصمة للخلافة ولم يعودوا لمكة أو المدينة لجعلها عاصمة الخلافة.
هذا الوضع الذي فرضته الجغرافيا والطقس والموارد المحدودة في شبه جزيرة العرب ظل مستمراً حتى ظهور النفط، فقد كانت رحلات عرب الجزيرة عبر العقيلات تجوب العراق والشام ومصر والسودان لغرض التجارة، وقد تعدت رحلاتهم رحلات قريش، فقد ركبوا البحر ذاهبين للهند للهدف ذاته وهو التجارة.
وقد كانت سفن القواسم في الشارقة تبلغ 1600 سفينة، كما وثق ذلك سليمان الغنام في كتابه أسباب سقوط الدرعية، وقد كانت سفن أهل الكويت البسيطة تجوب البحر ذاهبة إلى الهند وعائدة منه لغرض التجارة.
ويوثق بساطة سفن أهل الخليج ما كتب عن سنة «الطبعة» وهي السنة التي غرقت بها معظم سفن أهل الخليج ففقدوا حياتهم وفقدوا تجارتهم التي غرقت في البحر، وقد كانت تجارة أهل الخليج البرية والبحرية قائمة على التشاركية، فأهل البلدة يجمعون المال، ويسلمونه للثقات ويكون توزيع الربح بنسب معينة تقسم بين رأس المال وبين القائمين عليه، أي مشغلي رأس المال.
في الخليج الجميع يعرف أن النفط ناضب لذلك علموا أولادكم التجارة أو أكسبوهم مهارة معينة مسنودة بالعلم ليمكنهم العمل في أي جزء من العالم، وعلى الحكومات أن تطور مطاراتها وموانئها البحرية لتكون حلقة وصل لسلاسل الإمداد تجني منها الرسوم، ولنطور بلادنا لتكون مقراً للخدمات المالية بحيث يمكننا العيش لمرحلة ما بعد النفط. ودمتم.
8:14 دقيقه
TT
إيلاف
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة