لستُ أعني بالضرورة وجوب الاعتذار لشخص الرئيس الراحل محمد أنور السادات، وأسرته، رغم أنه، وإلى جانبه هم وهن، أصابهم من الأذى، أواخر أيام حياته، ويوم قتله غيلة أمام الملأ - فيما يحتفل مع المصريين والمصريات أجمعين (6/10/1981) بذكرى الانتصار في حرب العبور - ثم بعد رحيله، وإلى هذا اليوم، ما يوجب أكثر من مجرد الاعتذار. حقاً، الأهم من شخصنة الأمر، أظن، وما كل الظن إثم، أنه قد حان وقت اعتذار أشخاص كثيرين كأفراد، ثم من قِبل منظمات وأحزاب، وأيضاً منابر ومنصات إعلامية أو فكرية، أسهموا كلهم، بشكل أو آخر، في إلحاق الأذى بمصر، دولة ومواطنين وجيشاً، حين لم يترددوا في النَيل من تضحيات شعب وادي النيل، وهم يدركون أنها أساس تحقيق انتصار حرب عاشر رمضان، التي تحل غداً (الخميس) ذكراها التاسعة والأربعون، وفق التقويم الهجري. ذلك أذى تسبب، طوال سنوات عدة، بكثير ألم لأهل مصر، رجالاً ونساءً، باختلاف مشاربهم، السياسية والثقافية والعقائدية، ويمكنني القول إنني رأيتُ بعضاً من ذلك الألم واضحاً في تعبيرات وجوه كثيرين منهم خلال ندوات حضرتها، أو ساهمت في جوانب من فعالياتها، أو مؤتمرات جرى عقدها خصيصاً لإطلاق حملات تشكيك بتضحيات مصر منذ أولى نكبات العرب (1948) في فلسطين، وصولاً إلى حرب 1973.
أي اسم تفضلون لتلك الحرب؟ حسناً، يمكنكم تسميتها حرب رمضان، أو نسبتها إلى أكتوبر (تشرين الأول)، وأيضاً حرب تشرين، كما يفضل السوريون؛ أما الإسرائيليون فقد سموها «يوم كيبور»، أي «الغفران»، كما تعرفون. تختلف الأسماء، إنما يبقى الأهم ماثلاً في حقيقة أنها أول حرب تفضي إلى تحقيق الانتصار الأول للعرب بعد هزائم تكاد تستعصي على الإحصاء. قبل تذكيري من قِبل أحد، أبادر للقول إنني غير مستثنٍ نفسي من خطأ، وربما خطيئة، أنني شاركت، إلى جانب شخصيات تنتسب إلى ما يُسمى «النُخب»، وتضم إعلاميين ومثقفين ومفكرين، وهناك أيضاً كبار رجال قرار، ولا ننسى بعضاً من تجار «بيزنس» بارعين في اصطياد الصفقات، هؤلاء الذين تراهم متمددين على امتداد عالم العرب، لم يجدوا أي مشكل، ولا ساورهم مقدار ذرة من تأنيب ضمير، إذ حولوا الافتخار بذلك الانتصار إلى ما كاد يلامس صفة «عار» يوجب الخجل منه. كيف فعلوا ذلك؟ الواقع أنهم ما عجزوا عن إيجاد المبرر في المراحل كافة. بدأوا باستغلال ثغرة «الدفرسوار»، خلال المعارك. ثم تمادوا حين جاءتهم زيارة القدس وخطاب الكنيست (1977)، وصولاً إلى توقيع اتفاقات كامب ديفيد (17/9/1978)، بدت هذه كلها، من خلال أساليب، أو أشكال، ردود أفعالهم عليها، كما لو أنهم تمنوها، لمباشرة الطعن في مكانة مصر ودورها، وإذ ذاك هو الحال، ما كذبوا خبراً، بل سارعوا يضعونها في سلال تبخيسهم ليس فحسب لحجم الانتصار التاريخي، بل، وهو الأشد مضاضة في الألم، لدماء أولئك الذين ضحوا بأرواحهم كي يعيدوا شيئاً من كرامة العرب المهدورة، فاحتسبهم الناس، عن حق، شهداء عند ربهم، أحياء يُرزقون. تُرى، هل يضرهم شيء أن يستخف بتضحياتهم نفر من مناضلي فنادق الخمس نجوم، أو أكثر، في غير عاصمة من عواصم العرب والعالم؟ كلا، إطلاقاً.
ليس صعباً تخيل رد فعل قارئ، أو قارئة، يثيران السؤال: لماذا مصر دون غيرها، ألم تشارك سوريا كذلك في الحرب وصنع الانتصار، ثم أتراكَ نسيت أن قوات عين جالوت الفلسطينية، بقيادة الفريق الركن عبد الرزاق المجايدة، شاركت في عمليات قتالية بالتنسيق مع القيادة المصرية؟ نعم، ذلك صحيح تماماً وموثق. إنما القول إن مصر تحديداً جديرة باستحقاق الاعتذار لها يبرره أن أغلب ما لحق بها من أذى التشكيك بانتصار العرب أجمعين في عاشر رمضان، صدر أثناء حكم الرئيس حافظ الأسد، وبدأ ينطلق عبر وسائل إعلام دمشق قبل غيرها، ومن خلال بعض منظمات فلسطينية، وأحزاب عربية، تدين بالولاء للحكم السوري، أو العراقي زمن صدام حسين. يومذاك، اتفق كل أولئك المشككين على تشكيل ما سُمي «جبهة الصمود والتصدي»، بغرض محدد هو كيل ما أمكنهم من كل ألوان مفردات عبثية ضد مصر تحديداً. ليس هنا مجال التوسع في تفنيد ذرائع أطراف عربية عدة، ومنها مصرية، لتبرير الاستخفاف بما تحقق في عاشر رمضان، خصوصاً ما يتعلق منها بتعليق كل المواقف على شماعة كامب ديفيد. ربما يتطلب الأمر مقالة في أسبوع مقبل، إذا شاءت الأقدار.
TT
انتصار رمضان: حان الاعتذار
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة