سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

فرسان البرّ وأمراء البحار: طريق الحرير

منذ ثلاثة عقود، التقيت في الكويت الشيخ ناصر صباح الأحمد، الذي كان لا يزال مُعرضاً عن المناصب الحكومية، ومنهمكاً في مشروع فكري في العمل للمستقبل. وفي الوقت نفسه، كانت زوجته، الشيخة صباح السالم، تقوم بأهم مشروع فردي لحفظ التراث والآثار الإسلامية.
في تلك الأمسية، فوجئت بالشيخ ناصر يتحدث طويلاً عن قيامة آسيا، متوقعاً أن تخرج الهند من عجزها وتخلفها، وواثقاً من نهوض الصين، وعودة «طريق الحرير» كواحدة من أهم المناطق والمراكز التجارية في العالم.
جرى حديث ناصر الأحمد في معظمه على «طريق الحرير». وكيف أن على العرب التحضر لاتجاهات الاقتصاد العالمي المقبل. وقد أعجبت بمعارف الشيخ ولم تقنعني أحلامه كثيراً. وكنت أعتقد أن ثمة شعراً كثيراً ولذة أدبية في الأقل بتكرار «طريق الحرير»، لكن لا علاقة لها بالحقائق والوقائع.
لم ألتق الشيخ ناصر مرة أخرى. لكن مع مضي كل عام، وأحياناً كل شهر، كنت أتذكر كلامه عن «طريق الحرير». وكنت أتطلع إلى ما يحدث في الهند وما يتحقق من «قيامة» آسيا. وآخر مظاهر هذه القيامة أن «كورونا» تركت آلاف القتلى في الدول المتقدمة، فيما خلّفت 7 وفيات في تايوان و15 وفاة في كوريا الجنوبية.
كان الرجل الذي اكتشف «طريق الحرير» تاجراً من البندقية، يدعى ماركو بولو. سيتنافس الإيطاليان، كريستوفر كولومبس وماركو بولو، على مرتبة أشهر مكتشف في التاريخ. لكن بولو لم يكتشف قارة مجهولة، وإنما بلغ في رحلة مذهلة، بلاط الإمبراطور قبلاي خان، حاكم أضخم إمبراطورية أرضية، وترك للعالم أشهر كتب الأسفار المعنوَن «في وصف العالم» والمعروف للاختصار بعنوان «أسفار».
كل رحالة عظيم أرفقت أسفاره بالنواحي الأسطورية، أو الروائية. لكن في حكاية ماركو بولو نجد فتى يافعاً، اقتلعه والده وعمه، من حياة الهدوء في مدينته، لكي يرافقهما في تلك الرحلة الملحمية. يقول المؤرخ البريطاني السير هنري بول، إن ماركو بولو كان «أول رحالة يتخذ طريقاً على طول آسيا ويسمي الممالك التي شاهدها، الواحدة بعد الأخرى: صحاري بلاد فارس، أنهار خوطان المليئة بالزمرد الـJade. الصين بكل ثرواتها ومساحاتها، بورما وخيامها الذهبية، لاوس، سيام، اليابان، جاوا، سومطرة، جوهرة الجزر، وآكلة لحوم البشر في ليكوبار وإنديفن، وسيلان، والهند، وإثيوبيا، وزنجبار، ومدغشقر، والأراضي القطبية».
إلى اللقاء...