سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

فرسان البر وأمراء البحار: غبي يكتشف العالم الجديد

باعتباره الرجل الذي اكتشف أميركا و«العالم الجديد»، أصبح كريستوفر كولومبس الرحالة الأكثر شهرة في العالم. ما من طفل دخل المدرسة إلا سوف يعرف منذ القراءات الأولى، شيئاً عنه. الذي لم يعرفه كثيرون أن المغامر الإيطالي كان غبي حسابات وخرائط. ومع ذلك، فقد عبر المحيط الأطلسي أربع مرات بين 1492 و1604، في أسطول صغير من ثلاث سفن. لم يخلط فقط بين الهند والعالم الجديد؛ بل أيضاً بين الصين واليابان، وبين جزر البهاماس. وقد اعتقد أن المسافة بين لشبونة (البرتغال) واليابان هي 2.400 ميل بحري، في حين أنها عشرة آلاف. ولا عجب في هذه الأخطاء، فقد كان يستند في إبحاره إلى بوصلة قديمة وقياسات النجوم.
عندما أبحر كولومبوس أخيراً من المرفأ الإسباني بالوس دولا فرونتيرا في 3 أغسطس (آب) 1492، كان قد أمضى عقداً كاملاً يحاول إقناع ملوك أوروبا بتمويل رحلته. وقد رفض ملك البرتغال الفكرة لاقتناعه بأن المستكشف برلتلماو دياس قد عثر على بوابة الشرق، عندما دار حول رأس الرجاء الصالح عام 1488. وأخيراً استطاع الملاح الإيطالي إقناع فرديناند ملك إسبانيا والملكة إيزابيلاَّ، بتمويل الرحلة، رغم معارضة مستشاري القصر وخبرائه. ونص الاتفاق على أن يعطى حق السلطة على أي أرض يكتشفها، وحصة من أي كنز يقع عليه، مع أن تمتد حقوق الاستثمار إلى أبنائه وورثته فيما بعد.
كان على السفن الثلاث 90 بحاراً. لكن بعد مرور وقت قامت حركة تمرد بين هؤلاء عندما لم تظهر اليابان في الأفق، وظن البحارة أنهم وقعوا ضحية خدعة. لكن الواقع أن الرياح كانت يوماً تعاكس، ويوماً تؤاتي، فتقطع في أيام الحظ 150 ميلاً، وفي أيام التعس 25. وأخيراً؛ في 12 أكتوبر (تشرين الأول)، ظهرت اليابسة ووطئ كولومبس الأرض بجزيرة صغيرة في البهاماس، تدعى «غواناهاني»، وأعاد تسميتها «سان سلفادور». وتهيأ له أنه بلغ آسيا. وأطلق على قبيلة «تايتو» الصغيرة اسم «الهنود».
أمضى أياماً عدة يزور الجزر المجاورة، ووصل إلى الساحل الشمالي من كوبا، التي اعتقد أنها الصين، ومن ثم دار حول جزيرة سماها «هسبانيولا» على اسم إسبانيا. ثم تحطمت إحدى سفنه على شاطئ نيفاداد في هايتي، فقرر البقاء هناك لفترة، وكانت تلك أول مستوطنة أوروبية معترف بها في القارة الأميركية.
حملته رحلته الثانية أكثر إلى داخل البهاماس، حيث كان لا يزال يظن أنه على سواحل آسيا الشرقية. وفي أغسطس 1498 أصبح كولومبس وملاحوه أول أوروبيين يطأون البرّ الأم في أميركا الجنوبية، وذلك في الرحلة الثالثة. وجرى ذلك في الأرض التي سوف تعرف فيما بعد باسم فنزويلا.
كان قائد الأسطول في الرحلتين الأوليين، البحار والعالم خوان دولاكوسا، الذي كان عمله الأهم رسم خريطة «العالم الجديد». وضاعت الخريطة زهاء 300 سنة إلى أن عُثر عليها في فرنسا عام 1832.
إلى اللقاء...