إن جعل الولايات المتحدة أكثر تنافسية مع الصين هي نقطة نقاش كبيرة للرئيس جو بايدن وهو يروج لجدول أعماله الاقتصادي. فبعد مشاهدة الصين وهي تنتقل من قوة إلى قوة على مدى عقدين من الزمان، بات من الطبيعي أن نتساءل عن الصناعات التي قد تكون لدينا بالفعل فرصة للفوز بها. الجواب هو أن فرصنا أكبر مما تعتقد، ما دام أن الولايات المتحدة تتبنى استراتيجية ذكية وتهتم بالحفاظ على مزاياها الأساسية.
بدءا من عام 2000 قامت قطاعات صناعية كبيرة من الولايات المتحدة بحزم حقائبها والذهاب إلى الخارج، وكان دافعها في ذلك شعار «سعر الصين» الذي لا يهزم. لم تشمل مزايا الصين منخفضة التكلفة العمالة فحسب، بل رأس المال المدعوم، والأراضي الرخيصة، والفحم الرخيص، وقوانين البيئة المتساهلة. الآن في عشرينات القرن الحالي بدا المشهد التنافسي مختلفا بدرجة كبيرة. فعقود من الارتفاع السريع في الأجور والقيود المفروضة على إمدادات الفحم والجهود المبذولة لتنقية الهواء والماء جميعها مهدت الطريق - من حيث الكلفة - لوضع جديد لم يعد يجعل من الصين تلقائيا المكان الأرخص لتصنيع الأشياء. ومن المرجح أن تحصل المكسيك أو فيتنام على مصانع من الشركات المصنعة التي تهتم بشكل رئيسي بالتكلفة.
هذا لا يعني أن الصين ليست منافسا مخيفا، لكن كل ما في الأمر فقط أن نوع المنافسة قد تغير. ففي حين أن الصين قامت بأعمال تجميع منخفضة القيمة، فإنها الآن تندفع نحو صناعات عالية التقنية مثل أشباه الموصلات، والمعدات اللاسلكية للجيل الخامس (جي 5)، والطائرات من دون طيار، والقطارات عالية السرعة، والهواتف المحمولة. لذلك، ففي حين أن المعركة على الوظائف قد انتهت الآن، فإن الصراع من أجل حصة السوق والتفوق التكنولوجي قد بدأ للتو.
تعمل حكومة الصين بشكل كامل في سياستها الصناعية من أجل التأكد من أن شركاتها، التي تتمتع بقدر كبير من الدعم الحكومي، تهيمن على أكبر عدد ممكن من القطاعات عالية القيمة.
لكن لا يزال في جعبة الولايات المتحدة الكثير من الحيل. فقد كان انتصارنا في سباق اللقاحات مدويا ويرجع الفضل في ذلك إلى حد كبير إلى تقنية شركة «ميرنا» السحرية تقريبا. وقد كشفت ضوابط التصدير التي فرضها الرئيس السابق دونالد ترمب أيضا عن نقاط ضعف مختلفة في سلسلة التوريد في الشركات الصناعية الصينية الرئيسية مثل «هواوي تكنولوجي». كان هناك عدد من المنتجات عالية التقنية، مثل بعض رقائق الكومبيوتر ومعدات تصنيع الرقائق المتخصصة، التي لم تتمكن الصين من تصنيعها بعد، وغالبا ما تم إنتاجها بواسطة شركات أميركية صغيرة وغير معروفة لكنها ذات معرفة متخصصة للغاية.
الصين أيضا متخلفة في الطائرات وفي عدد من الصناعات التحويلية عالية التقنية الأخرى، كما أن العديد من شركات البرمجيات التابعة لها لم تحقق نجاحا دوليا مثل «غوغل»، و«فيسبوك»، و«مايكروسوفت كورب» أو «أمازون دوت كوم».
الصناعات التي تتفوق فيها الولايات المتحدة على الصين يجمعها قاسم مشترك واحد هو الابتكار المستمر، في حين أن القوى العاملة الصناعية الضخمة التي تعمل بجد وذات خبرة في الصين تعتبر عالية الكفاءة في معرفة كيفية صنع منتجات عالية التقنية. تتجه التصاميم إلى التسرب إلى الشركات الصينية إما من خلال المشاريع المشتركة أو التجسس الصناعي وإما ما يعرف بالهندسة العكسية.
يتطلب الابتكار المستمر أن يكون لدى الولايات المتحدة أفضل المواهب العلمية والهندسية في العالم. فرغم أن الولايات المتحدة يمكنها تعليم العديد من العلماء والمهندسين بنفسها، فإنها تعتمد أيضا على استقطاب عدد من المواهب الهائلة من بقية دول العالم. ففي بعض مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، يشكل طلاب الدراسات العليا الأجانب أغلبية:
فرغم أن الولايات المتحدة تدرب العديد من المهندسين، فهي تحتاج إلى عمال متعلمين أكثر مما يمكنها أن تنتج بمفردها إذا أرادت الحفاظ على هيمنتها على الصين. ولذلك تعد هجرة ذوي المهارات العالية أمرا بالغ الأهمية للحفاظ على مجموعة المواهب التي تسمح للولايات المتحدة لتكون حديقة الأبحاث في العالم.
غالبا ما يتضمن الابتكار المستمر أيضا مد أنبوب ابتكارات من الجامعات إلى الشركات. فالولايات المتحدة لديها معظم أفضل الجامعات البحثية في العالم التي تنتج كميات هائلة من الاكتشافات العلمية التي يتم استخدامها لاحقا لإثراء ابتكارات المنتجات الخاصة. بالإضافة إلى ذلك، يقوم الباحثون بترخيص اكتشافاتهم أو يصبحون رواد أعمال مستقلين. رغم أن نظام الجامعات في الصين واسع النطاق ويتم تمويله جيدا بشكل متزايد، فإنه لا يمكنه منافسة الثقافة الأميركية المفتوحة للابتكار الأكاديمي.
من الأدوات التنافسية المهمة الأخرى التي يخشاها الكثير من الأميركيين هي الأتمتة (التشغيل الآلي للمعدات). ففي ظل قيام الصين بأتمتة عمليات التصنيع الخاصة بها بسرعة، فإن الطريقة الوحيدة للولايات المتحدة للبقاء في المنافسة هي السير على نفس المنوال. لكن الأميركيين يخشون للغاية من تولي الروبوتات لوظائفهم لدرجة أن بعض الشخصيات البارزة اقترحت بالفعل فرض ضرائب على الأتمتة بدلا من تشجيعها.
هنا يكمن الجنون. فالولايات المتحدة ليس لديها عدد ثابت من الوظائف عالية التقنية ليجري توزيعها. وإذا استبعدنا المهاجرين المهرة والروبوتات الضريبية، فسيتم ببساطة اقتناص الصناعات عالية التقنية من قبل الصينيين.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»
8:2 دقيقه
TT
أميركا وتكتيكاتها في مواجهة الصين
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة