ليونيل لورانت
كاتب من خدمة «بلومبيرغ»
TT

الصراع الأوروبي حول اللقاحات

يزداد الخلاف بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة حول إمدادات لقاح فيروس «كوفيد 19» حدة، مع إبداء الاتحاد الأوروبي استعداده لوقف صادرات جرعات لقاح «أسترازينيكا» إلى بريطانيا لحين الانتهاء من تلبية احتياجاته. الواضح أن ثمة دروساً خطأ يجري استخلاصها في خضم المساعي المحمومة للحصول على اللقاح.
وفي قلب المحاولات الرامية للإسراع من وتيرة جهود توزيع اللقاح في أوروبا والتي تعاني اليوم من بطء شديد، فإنَّ فرض حظر على صادرات اللقاح من غير المحتمل أن يحدث تغييراً راديكالياً في الوضع القائم اليوم. وتشير البيانات الصادرة عن مؤسسة «إيرفينيتي»، والتي نقلتها «غارديان»، إلى أن مثل هذا القرار من شأنه إسراع وتيرة توزيع اللقاح داخل أوروبا بمقدار أسبوع واحد تقريباً.
في المقابل، فإن التأخير في عملية توزيع اللقاح داخل المملكة المتحدة ربما يمتد لشهور، الأمر الذي يمنح فيروس «كورونا» المستجد الانتصار، ويزيد من احتمالية لجوء الجانب البريطاني لإجراءات تجارية انتقامية. ومن الممكن أن يؤثر ذلك على شركات الأدوية، وليس شركة «أسترازينيكا» الأنغلوسويدية فحسب.
المؤكد أن أي تأخير في مواجهة الجائحة الحالية، سواء أكان نتاج قرارات سياسية أم لا، ستكون له تداعيات سيئة. والملاحظ أن النزاعات من نوعية النزاع الدائر بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي تتجاهل أمراً واضحاً؛ أن هذه جائحة عالمية وبحاجة إلى استجابة عالمية إذا ما أراد العالم حقاً الخروج من هذه الجائحة.
وهنا، تظهر الأزمة الصحية المتفاقمة في البرازيل كدرس للجميع. تشير الأرقام إلى أن وفيات البرازيل من فيروس «كوفيد 19» بلغت أعلى مستوياتها على الإطلاق هذا الشهر، في وقت تناضل المستشفيات للتأقلم مع الوضع، في وقت تعاني البلاد نقص إمدادات اللقاح.
كما أنَّ هناك تداعيات اقتصادية وخيمة مرافقة للوباء، فحسب تقديرات مؤسسة «راند»، فإنَّ إجمالي الناتج الداخلي العالمي السنوي سيتكبد 1.2 تريليون دولار حال توافر القدرة على الحصول على اللقاح لدى الدول المنتجة للقاح فقط. ورغم أنَّ ارتباط اللقاح ببعض النزعات القومية أمر حتمي لا مفر منه، فإنَّ التأثير القوي لهذه النزعات حالياً يثير الإحباط بالنظر إلى حجم التفوق الذي تملكه الدول الغنية في مواجهة العالم النامي.
وأصدرت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي بالفعل أوامر شراء لجرعات تغطي سكانها مرات كثيرة. وفي الوقت الذي تولت الدول الغنية تطعيم شخص واحد في المتوسط كل ثانية خلال يناير (كانون الثاني) وفبراير (شباط)، لم توزع الدول الأشد فقراً جرعة واحدة.
الحقيقة أنه كلما زادت رقعة القدرة على الوصول إلى اللقاح عالمياً، ستتضاءل التداعيات السلبية التي تضرب إجمالي الناتج الداخلي العالمي. ومع ذلك، وفي قلب هذه الصورة القاتمة، يبقى هناك بصيص من الأمل في اتباع بعض الدول لنهج بناء على نحو أكبر وسعيها نحو التوسيع التدريجي لدائرة التشارك والتعاون عبر حدودها، بدلاً عن انتظار تطعيم كامل مواطنيها.
جدير بالذكر في هذا الصدد أنَّ الولايات المتحدة، التي تعرضت لانتقادات شديدة بسبب سياسة «أميركا أولاً» التي انتهجتها تجاه صادرات اللقاح، من المقرر أن ترسل 4 ملايين جرعة إلى المكسيك وكندا المجاورتين للمرة الأولى، ويعتبر هذا من الناحية الفنية قرضاً، وما من شك أنه يعكس حقيقة أنَّ الجهات التنظيمية داخل الولايات المتحدة لم توافق بعد على لقاح «أسترازينيكا»، ما يعني أن الولايات المتحدة لديها فائض بالجرعات.
وكلما زاد الإنتاج، ستتضاءل الضغوط على الحكومات لبناء سلاسل توريد لقاح أو محاولة محاكاة اللقاحات في الداخل لتلبية الاحتياجات المحلية. ومن الإيجابي كذلك أنَّ شركات الأدوية تتعاون بعضها مع بعض بمجال التصنيع، من «نوفاريتس» و«فايزر» إلى «سانوفي» و«جونسون آند جونسون». ويتوقع مصنعو اللقاح أن يتمكنوا من إنتاج عدد كافٍ من الجرعات لـ5.7 مليار شخص هذا العام.
في ظل الظروف المثالية، ينبغي أن تكون هذه البداية. وتتضمن ورقة بحثية وضعها تشاد باون وتوماس بوليكي لحساب «معهد بيترسون للاقتصاديات الدولية»، خطة شاملة لاتفاق عالمي بخصوص الاستثمار والتجارة في اللقاحات. ومن شأن هذا الاتفاق تحقيق تناغم بين الوكالات التنظيمية وتنسيق وتعزيز القدرة التصنيعية ودعمها، علاوة على منع الدول المشاركة من فرض قيود على الصادرات. ومن شأن توافر مزيد من الشفافية تعزيز الثقة.
وإذا كانت المنافع المحتملة من وراء العمل الجماعي ليست كافية لتحفيز الدول على تغيير سياساتها الراهنة، فإنَّ المنافسة الجيوسياسية ربما تفلح في ذلك. يذكر أن روسيا والصين استفادتا من تكالب الغرب على تكديس جرعات اللقاح بالترويج للقاحاتها حول العالم، خاصة في أوساط الدول النامية، الأمر الذي يفسر سعي الولايات المتحدة اليوم للمشاركة في الجهود الخيرية المتعلقة باللقاحات.
من بين المؤشرات الإيجابية التي تحملها أزمة الجائحة أنها سلطت الضوء على حجم الاعتماد المتبادل بين الدول. ولذلك، يتعين على الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة و«أسترازينيكا» تسوية خلافاتهم على نحو ودي - سواء عبر التشارك في الجرعات المتاحة أو تصنيع المزيد - والتركيز على العدو الحقيقي؛ الجائحة.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»