نوح سميث
كاتب في «بلومبيرغ»
TT

الاستثمار في التكنولوجيا النظيفة

احتدم النقاش حول الاستثمار في الطاقة الخضراء، أو الصديقة للبيئة، في الولايات المتحدة مجدداً لدى البعض، وستثير الطفرة الجديدة شبح انهيار التكنولوجيا النظيفة الذي أعقب جدلاً هائلاً في هذا الصدد قبل عقد من الزمان. لكن توجد أسباب للاعتقاد بأنَّ ذلك الاتجاه هذه المرة ليس مجرد فقاعة أو سراب.
في أواخر العقد الأول من القرن العشرين وأوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، حدث انفجار في الاستثمار في التكنولوجيا النظيفة، أو ما يسمى الطاقة المتجددة، بالإضافة إلى تقنيات أخرى للحد من انبعاثات الكربون. في البداية، جاءت الأموال إلى حد كبير من أصحاب رؤوس الأموال، ولكن بعد ذلك تدخلت الحكومة الفيدرالية وبدأت في تقديم قروض وإعانات زهيدة. وفي عام 2011 فشلت شركة تصنيع الطاقة الشمسية «سوليندرا» بشكل مذهل، مما تسبب في رد فعل سياسي هائل، ليشكل ذلك الفشل الأبرز. وبشكل عام، خسر المستثمرون نحو 25 مليار دولار عندما انهار القطاع، وجفَّ المال بسرعة ولسنوات باتت «التكنولوجيا النظيفة» مصطلحاً «قذراً» في محادثات أصحاب رؤوس الأموال.
خصص صندوق استثماري يترأسه الملياردير بيل غيتس (الذي يستثمر فيه أيضاً مايكل بلومبرغ، مؤسس بلومبرغ نيوز) مليارات الدولارات. ارتفع التمويل لشركات البطاريات وشركات السيارات الكهربائية بشكل كبير، وبات الاستثمار في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح يفوق أي استثمار آخر. لكن ذلك من شأنه أن يثير مخاوف البعض من حدوث فقاعة أخرى، وأن يعيد التاريخ نفسه. يعتقد زميلي ويليام دينينغ أن الارتفاع السريع في التقييمات هو مؤشر واضح على المبالغة في الأسعار، والتي يتوقع أن تنهار عندما ترتفع أسعار الفائدة، فيما يرى آخرون أن المستثمرين يكررون أخطاء العقد الماضي.
لكني أرى نفسي أكثر تفاؤلاً، فرغم أن المستثمرين سيشهدون بالتأكيد بعض الصعود والهبوط - فقد شهد مؤشر «ويلدرهيل» للطاقة النظيفة بالفعل تصحيحاً كبيراً منذ أوائل فبراير (شباط) - إلا أنني على ثقة تامة من أن صناعة التكنولوجيا النظيفة ككل لن تشهد نوع الانهيار الذي حدث في الماضي.
السبب هو أن أساسيات التكنولوجيا قد نضجت بطريقة لم تكن كذلك قبل عقد من الزمان. ففي عام 2009 بلغت تكلفة الكهرباء الشمسية الكهروضوئية 359 دولاراً لكل ميغاواط / ساعة - أي أكثر من أربعة أضعاف تكلفة الكهرباء من محطة الغاز الطبيعي. وبحلول عام 2019 انخفض سعر الطاقة الشمسية الكهروضوئية إلى 40 دولاراً لكل ميغاواط / ساعة، أي أرخص من تكلفة الغاز بواقع 28 في المائة، وهو ما يمثل انخفاضا بواقع 89 في المائة خلال 10 سنوات في ظل المزيد من تراجع التكلفة.
وفي الوقت ذاته، شهدت بطاريات الليثيوم أيون انخفاضاً مشابهاً في الأسعار.
أحدث هذا الانخفاض الضخم فارقاً كبيراً في الأسعار. بادئ ذي بدء، يعني هذا أن الطاقة الشمسية وطاقة الرياح ليستا تقنيات جديدة محفوفة بالمخاطر. ويرجع السبب في فشل شركة «سيلوندرا» إلى أنها كانت تحاول تسويق نوع جديد مبتكر من الخلايا الشمسية الذي انتهى به المطاف بأن أصبح باهظ الثمن عندما انخفضت تكلفة التصميم المجرب والصحيح. ولن تضطر الاستثمارات المستقبلية في الطاقة الشمسية إلى الرهان على أي ابتكارات تكنولوجية صعبة. قد تكون البطاريات قصة مختلفة - يتم دفق الكثير من الأموال للشركات الناشئة التي تحاول تصنيع بطاريات صلبة وهو ما سيكون بمثابة إنجاز حقيقي. لكن شركة «تسلا إنك» تعمل بشكل جيد مع النوع القديم، لذلك من المحتمل أن يكون أداء هذا القطاع جيداً أيضاً. يعمل الاستثمار في المجازفة بشكل جيد عندما لا يكون مضطراً للمراهنة على «التكنولوجيا الصعبة» - مصطلح يشير إلى التكنولوجيا المستحدثة غير المجربة، وبالتالي غير مضمونة النجاح - ولم يعد الكثير من التكنولوجيا النظيفة «صعباً».
ثانياً، يعني انخفاض تكلفة الطاقة النظيفة أن النجاح لا يعتمد على تدخل الحكومة. ففي فترة الازدهار السابقة، غالباً ما كانت الإعانات الحكومية المتقلبة ضرورية لنجاح شركات الطاقة ذات رأس المال الكبير. الآن، ورغم أن الرئيس جو بايدن يخطط لدفعة كبيرة في الاستثمار في الطاقة النظيفة، فإنَّ السوق تستثمر كثيراً في مصادر الطاقة المتجددة بمفردها.
أخيراً، ربما تعلم المستثمرون الدرس. فالطاقة النظيفة بحد ذاتها لم تكن أبداً خياراً مناسباً للمغامرة. فهي تتطلب لرأس مال وفير، لأن شراء الألواح الشمسية وتوربينات الرياح يتطلب الكثير من المال مقدماً، ويميل رأس المال الاستثماري إلى التركيز على الاستثمارات الصغيرة الرخيصة. وبدلاً من قيام الشركات بإنتاج منتجات متميزة وفتح أسواق جديدة، كما هو الحال في البرمجيات، فإنَّ جميع شركات الكهرباء النظيفة تحاول تقديم نفس المنتج السلعي.
هذه المرة، يسمح أصحاب رأس المال الاستثماري للمستثمرين الكبار بالتعامل مع بناء الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وإيجاد مجالات أخرى، حيث يمكن للشركات الناشئة منخفضة التكلفة والمتباينة أن تضيف قيمة - مثل خدمات الطاقة الشمسية والتمويل، واللحوم المنتجة في المعامل، والمركبات الكهربائية. ومن المؤكد أن بعض هذه الرهانات ستفشل، ولكن هذا هو الحال دائماً في الأسهم الخاصة. إن نجاح شركة «تسلا» - الآن بقيمة سوقية تبلغ 700 مليار دولار تقريباً، أو 28 ضعف المبلغ الذي أهدر في انهيار التكنولوجيا النظيفة - يوضح المبدأ العريق بأنَّ بعض النجاحات الكبيرة يمكن أن تعوض الكثير من الإخفاقات الصغيرة.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»