أنجاني تريفيدي
كاتبة من خدمة «بلومبرغ»
TT

الصين أمام تحدي الرقائق الإلكترونية

لماذا لا تستطيع الصين التدخل لسد النقص في الرقائق الإلكترونية؟ فقد أغرقت الصين، وهي أكبر مصنع في العالم، الاقتصاد العالمي بالسلع، وبالفعل تدخلت وكانت سبباً في الكثير من الأحيان في زيادة المعروض المحلي في الداخل. لماذا إذن وقفت على الحياد في الجدل العالمي حول حل النقص في أشباه الموصلات في جميع أنحاء العالم؟
الحقيقة الصارخة هي أنه عندما يتعلق الأمر بآلات صناعة الرقائق، فإن الصين لا تستطيع أن تنتج ما يحتاجه العالم. فلا يزال الاكتفاء الذاتي من أشباه الموصلات منخفضاً، فهي تصدر رقائق بقيمة 100 مليار دولار لكنها تستورد بأكثر من 300 مليار دولار. وفي الوقت نفسه، تصنع الصين 28 في المائة من معدات إنتاج أشباه الموصلات التي يطلبها صانعو الرقائق، وفقاً لتقديرات شركة «إتش إس بي سي هولدنغ».
تتطلب مسابك الرقائق وخطوط الإنتاج التي أُنشئت في الصين آلات مستوردة. ففي العام الماضي، استوردت الصين معدات أشباه الموصلات بقيمة 13.7 مليار دولار من الخارج، بزيادة أكثر من 30 في المائة مقارنة بالعام السابق. فالنقص في مثل هذه الآلات حاد لدرجة أن الآلات المستعملة من اليابان باتت تشق طريقها إلى الصين، مما أدَّى إلى ارتفاع الأسعار بشكل حاد.
إلا أن الدولة تمكنت من تحقيق بعض التقدم، لا سيما في العمليات المنخفضة الجودة للقيام بصناعة الرقائق المتعددة الخطوات، لكنها لا تزال على بعد عقود من العمليات الأكثر تعقيداً. فشركات مثل «سيمي كوندكتور مانيوفاكتورينغ إنترناشيونال كورب» التي تتخذ من شنغهاي مقراً لها تتخلف عن نظيراتها العالمية مثل شركة «تايوان سيمي كوندكتور مانيوفاكترينغ» و«سامسونغ إلكترونكس». ومع التقدم في تصميم الرقائق والطلب العالمي على أشباه الموصلات العالية الجودة، تسعى الصين إلى إصابة أهداف متحركة.
لنأخذ الليثوغرافي (الطباعة الحجرية) مثالاً، فهي خطوة بالغة الأهمية في صناعة الرقائق، حيث يجري استخدام الضوء لنقل أنماط الدوائر إلى فيلم، الذي يستخدم بعد ذلك لصنع معالجات فردية دقيقة. قد يستغرق الأمر أكثر من 10 سنوات لتطوير ما يسمى بأدوات الأشعة فوق البنفسجية الشديدة للطباعة الحجرية؛ وأصبحت الآلات الدقيقة مكلفة بشكل متزايد. وقد أغلق السوق نفسه على ثلاثة لاعبين فقط عملوا على تكثيف رأس المال والمعرفة. وارتفعت واردات الصين من معدات الطباعة الحجرية بنسبة 97 في المائة العام الماضي. ولا يوجد في الصين سوى شركة واحدة تصنع تلك الآلات هي «شانغهاي مايكرو إكويبمنت»، ومن المتوقع قيامها بتسليم المعدات التي تستخدم تقنية الطباعة الحجرية القديمة إما العام الجاري أو في عام 2022.
حاولت بكين بلا هوادة تحقيق الاكتفاء الذاتي من أشباه الموصلات، من خلال تقديم الإعانات والحوافز مثل الإعفاءات الضريبية لعقود طويلة لصناعة الرقائق. ويظل الاعتماد على الذات أحد أهداف السياسة الوطنية. ومع ذلك، فقد سارت مشاريع كبيرة إلى الأمام، فالشركات الصينية التي تصنع معدات للعمليات المنخفضة مثل تنظيف الرقائق تزدحم بسوق صغير. ففي عام 2019، تم توفير 6.1 في المائة فقط من سوق الرقائق بالكامل في الصين من قبل الشركات التي يقع مقرها الرئيسي في جمهورية الصين الشعبية، والبقية كانت شركات أجنبية. وفي واحدة من أكبر شركات المعدات الجاهزة في الصين وهي «ناورا تكنولوجي غروب»، شكلت الإعانات 87 في المائة من صافي الربح في عام 2019.
علاوة على ذلك، أشارت شركة «إتش إس بي سي» إلى أن آلات تصنيع الرقائق في الصين هي في الواقع دون المستوى المطلوب، مقارنة بالشركات الرائدة في أماكن أخرى. كما أنها أكثر تكلفة في الخدمة وليست دقيقة. وبصرف النظر عما يتم دفعه مقابل المعدات، فإن سعر اقتنائها يتزايد بمرور الوقت.
حتى إذا أحرزت الصين تقدماً كبيراً في تصميم الرقائق وحققت طموحاتها التكنولوجية، فلن تتمكن من صنع هذه الرقائق للاستخدام المحلي - أو للتصدير - بدون الآلات اللازمة لتصنيعها. فعدم قدرتها على صنع هذه المعدات والسيطرة الخانقة على الآلات من قبل اللاعبين الأجانب يعني أن البلاد ستظل معتمدة على سلسلة التوريد العالمية لفترة من الوقت.
ورغم كل المخاوف التي تلوح في الأفق حول طموحات الصين في صناعة الرقائق، فلن تتدخل البلاد لإصلاح نقص العرض الحالي في القريب العاجل. ولذلك يظل الدور الرئيسي للصين في صناعة أشباه الموصلات العالمية هو دور تجميعي تكميلي، أي وضع الرقائق على لوحات الدوائر فقط لا غير.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»