عادة ما تصدر القيادات العليا في الحكومات مراسيم تشريعية لتنظيم أمر ما، ويناط تنفيذ هذه المراسيم للجهات التنفيذية كل حسب اختصاصه، وعند البدء في تنفيذ هذه المراسيم يبدأ التباين حول التفاصيل، فالمراسيم في العادة تحمل نصوصاً عامة إما أن تفسر من قبل المنفذين بشكل خاطئ أو متشدد ليبتعد التنفيذ عن الوصول لغايات هذه المراسيم.
ومن ذلك فإن السعودية أصدرت في وقت مضى مراسيم لمنع التعدي على الأراضي الحكومية، ويعتبر متعدياً من وضع يده على أرض لا يملكها أو زَوّر صكاً.
وقد كانت السعودية تُجيز الصكوك بالإحياء، وهذا النظام أوقف منذ عام 1384 هجرياً الموافق 1964 ميلادياً، أي في عهد الملك فيصل، ولكن الناس في طبيعتها تحاول النفاذ من خلال ثغرات القانون، فقد أوجد الناس صكوك الصلح، وهذه تأتي بعد أن يختلف اثنان على حدود ملكيتهما لأرض معينة، هما في الأصل لا يملكانها بل هي من أملاك الدولة، ثم يتقاضيان ليصدر القاضي صكاً في الصلح بعد تراضيهما على ترسيم حدود الملكية بينهما.
اكتشفت السلطات هذا التلاعب، فأوقفت العمل بهذه الصكوك، وحينما بدأت حملة محاربة الفساد، اتضح أن هناك من تلاعب بشكل من الأشكال ليمتلك أرضاً ليست له، سواء عبر التزوير أو الرشوة أو غيرها من أساليب الاحتيال، فأوقفت الحكومة هذه الصكوك ومنعت البيع فيها، وطالبت الجهات التنفيذية مشتري الأرض ذات الصك غير الصحيح بأن يعود على بائعه، بمعنى أنه إذا بيعت أرض بمائة مليون ريال (26.6 مليون دولار) فإن على المشتري أن يعود لاستيفاء حقه على البائع.
فتصور أن تكون الأرض قد بيعت عشر مرات فيعود المشتري الأخير إلى البائع الذي يليه وهكذا دواليك حتى يصلوا إلى البائع الأول ويوقف التصرف في الأرض، مما يلحق أضراراً بالمشترين والبائعين الذين اشتروا أرضاً بصك صدر من جهة حكومية معتمدة يفترض فيها أن تكون ذات موثوقية عالية.
ويسمي العقاريون مثل هذا الصك بالصك «المضروب»، وصدور الصك من الجهة المعتمدة لا يخلو من أمرين، إما أن تكون وثائقها المقدمة لكتابة العدل مزورة، أو أنه صدر عن طريق الرشوة، وهذا يتحمله من أصدر الصك سواء الجهة المخولة بذلك أو البائع الأول.
وكانت الجهات التنفيذية تعاقب المشتري الأخير بذنب لم يرتكبه، فهو قد اشترى الأرض بصك صدر من جهة مختصة وقد يكون لديه مساهمون فيشمل العقاب شريحة أوسع من فرد، وكان الأولى أن يعاقب مُصدر الصك إذا كان مرتشياً بأغلظ العقوبات باعتباره من المفسدين في الأرض، أو يعاقب من قام بالحصول على الصك عبر تقديم وثائق مزورة وحصل على أرض ثم باعها وهو لا يملكها.
وفي الأسبوع الماضي أصدرت السعودية تشريعاً يقضي بألا يعاقب حسنو النية الذين اشتروا أرضاً بوثائق صدرت من جهات مختصة يفترض فيها الموثوقية، بمعنى أن يتم تداول هذه الأرض إذا كان عليها مخطط تنظيمي معتمد، وأن يعود العقاب على مصدر الصك، سواء كان البائع أو الجهة التي أصدرت الصك إذا ثبت ارتشاء موظفيها، أو أن يُعاقَب الاثنان معاً، كل يحكم عليه بمقدار جرمه.
هذا سيحل إشكالاً كبيراً بدلاً من اختلاط الأمور وعودة كل مشترٍ على البائع الذي يليه فتتسع الدائرة وتضيق المحاكم بالقضايا التي وجد البعض نفسه متورطاً فيها دون ذنب سوى ثقته بالجهات التنفيذية التي أصدرت الصك.
ويرى العقاريون في السعودية أن مثل هذا القرار قد أتى ليصحح أخطاء التنفيذ التي أوقفت تداول الأراضي وجعلت الحصول على قطعة أرض لشاب لا يتم إلا بدعم من أسرته، بالإضافة إلى قرض قد يحصل عليه من الحكومة. كما أن مثل هذه الاعتداءات قد أوجدت تشوّهاً في بعض شواطئنا الجميلة، كما أن تصاعد أسعار الأراضي وضعف الوازع الديني قد رفع قيمة الرشوة المقدمة لموظفي الجهات المصدرة لمثل هذه الصكوك، مما جعل الارتشاء أمراً مغرياً.
الأمر الآخر الذي لا بد أن نشير إليه أن بعض المخططات أوقفت لأغراض تنظيمية مثل كود البناء وغيره، وهنا نتمنى على صاحب القرار أن يحدد مدة زمنية للجهات الحكومية للانتهاء من التنظيم أياً كان نوعه وفق مدة زمنية معينة حتى لا تتعطل مصالح الناس. فمن المعروف أن العقار من مصالح المسلمين المرسلة التي لا يجب تعطيلها وقتاً طويلاً حتى لا يرتفع سعر الأرض ومعه ترتفع قيمة الإيجار، وأن تعامل الأراضي الخام معاملة الأراضي التي عليها مخططات تنظيمية، أي بمعاقبة البائع الأول؛ فدائماً الحكومات أقدر من الأفراد على فرض العقوبات واسترجاع الحقوق. ودمتم.
8:4 دقيقة
TT
معاقبة
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة