خالد البسام
كاتب ومؤرخ بحريني
TT

تاريخ الصفحة

حتى الصفحة لها تاريخ! بل وهناك من يسمي هذا بشيء هو «تاريخ موجز الصفحة»!
وهذا يؤكد أن كل شيء في الدنيا له تاريخ وجغرافيا ودين وعادات وتقاليد. غير أن الدهشة أصابتني وأنا أقرأ في كتاب ضخم اسمه «فن القراءة» لألبرتو مانغويل، وصدر بالعربية أخيرا عن «دار المدى»، يتناول كل شيء عن القراءة والقراء والكتب والمكتبات والأدباء وغير ذلك.
يدعي مانغويل أن «الصفحة تحيا حياة سرية. ضائعة وسط أخواتها داخل أغلفة الكتب، أو منفردة مكلفة، لوحدها، بمهمة نقل قطعة محددة من نص، مقلوبة، ممزقة، محروقة أو مشطوبة، متصفحة بأناة، تدخل الصفحة في وعي قارئنا فقط كإطار أو وعاء لما تقصد قراءته. والصفحة (في رأيه) هي مكان القارئ، وهي أيضا زمان القارئ».
وتعرف المعاجم كلمة «صفحة» بـ«ورقة من كتاب» و«جانب واحد منها».
والصفحة تحدد، تقطع، توسع، تراقب، تعيد تشكيل، تترجم، تخفف توتر، تجسر، وتفصل قراءاتنا التي نحاول بمشقة أن نروضها.
وعلى حسب الكتاب الجميل، فبهذا المعنى يصبح فعل القراءة صراع قوة بين القارئ والصفحة للسيادة على النص، وفي العادة تكون الصفحة هي الغالبة.
ولا ينسى البحث الجميل عن تاريخ الصفحة أن يمتدحها عبر قصيدة للشاعر الشهير غوته الذي يقول:
«هاته الوريقة المسافرة من الشرق
وهي الآن قابعة في حديقتي
تطرح معاني ثرية وغامضة
تهب الحكمة للحكيم
أهي مخلوق حي أخضر
انشطر إلى اثنين لكنه ما برح كاملا؟!».
وهكذا صارت الصفحة هي عنوان القراءة وبهجتها ومتعتها التي لا تُعوّض حتى الآن. إنها الصفحة التي تعلمنا وتثقفنا وتجعلنا مبدعين، بل ورائعين!
نريد أن نكون مثل الروائي الجميل الراحل غابرييل غارسيا ماركيز الذي وصف قارئا نهما بأنه «القارئ الذي لا يرتوي!».