طارق الحميد
صحافي سعودي، عمل مراسلاً في واشنطن. تدرَّج في مناصب الصحيفة إلى أن أصبحَ رئيس تحرير «الشرق الأوسط» من 2004-2013، ورئيس تحرير مجلة «الرجل» سابقاً. محاضر دورات تدريبية في الإعلام، ومقدم برنامج تلفزيوني حواري، وكاتب سياسي في الصحيفة.
TT

القصة أقدم من خاشقجي

محتوى تقرير المخابرات الأميركية حول مقتل جمال خاشقجي يظهر لنا أن القصة أقدم من مقتل خاشقجي؛ ومقتله كان جريمة بكل المقاييس حاكمت الدولة مرتكبيها، وتحملت المسؤولية الأخلاقية، كونه مواطناً لها.
إلا أن محتوى تقرير المخابرات، خصوصاً أنه مجرد تحليل وتكهنات لا ترقى للنشر حتى بصفة مقال في صحيفة محترمة، حيث لا أدلة ولا وقائع تستوجب حتى التوقف أمامها، يظهر لنا أن القصة أقدم وأكثر تعقيداً.
القصة بدأت تحديداً منذ قدوم الرئيس الأسبق باراك أوباما للحكم، ورغبته الواضحة في الانسحاب من المنطقة، وإبرام اتفاق نووي، والحقيقة أنه كان أكبر حتى من اتفاق نووي، مع إيران.
أراد أوباما الخروج من المنطقة بالاعتراف بإيران قوة لها حق تقاسم المنطقة، وإقامة علاقات معها، وتمكين الإسلاميين بحجة اعتدالهم، أي «الإخوان المسلمين»، وذلك وفق آيديولوجيا، وليس استراتيجية، وهو ما جوبه بموقف سعودي.
وقتها، اتخذت السعودية موقفاً حاسماً للدفاع عن مصر الدولة، وعبور الجسر لإنقاذ البحرين، وقت ما عرف زوراً بالربيع العربي، وكان ذلك ضد مواقف إدارة أوباما أيضاً، مما أدى إلى انطلاق حملة منظمة لشيطنة السعودية.
نعم، مقتل خاشقجي جريمة، لكن الموقف ضد السعودية كان مبكراً، حيث انطلقت حملة شيطنة السعودية بعد موقفها من الاتفاق النووي المجحف مع إيران، والموقف الأوبامي المتهور بالربيع العربي، وميله للموقف التركي الإخواني، وخذلانه الثورة السورية إرضاء لإيران.
ولذا، لا غرابة في أن ينطوي تقرير المخابرات الأميركية على تكهنات وتحليل من دون إيراد معلومة، إذ كتب بلغة تهدف إلى شيطنة السعودية، مما أدى إلى صدمة حتى لدى بعض الإعلام الأميركي المعروف عنه تحريضه ضد السعودية، وليس العقلاء وحسب.
والواضح الآن هو أن الإدارة الأميركية الجديدة صدمت بأن إدارة ترمب كانت على حق عندما قالت إن التقرير لا ينطوي على شيء مهم، لكنها (أي إدارة بايدن) تورطت في الوعود الانتخابية وضغوط اليسار.
ولذا، قررت نشر التقرير ليحصل على ما يحصل عليه من ضوضاء، لتفي بوعودها الانتخابية، وتحيد اليسار هناك، ثم تمضي قدماً للتعامل مع الرياض بشكل طبيعي، لكن وفق الخطة الأوبامية نفسها، وهي شيطنة السعودية.
وعليه، علينا أن نكون حذرين لهذه اللعبة القديمة الجديدة، وهي شيطنة السعودية، لأن أهدافها آيديولوجية، والدليل الموقف اليساري بأميركا أيضاً ضد إسرائيل بسبب الموقف من إيران، مع إضافة مصر.
والأمر واضح، حيث تلام السعودية على ملف حقوق الإنسان رغم كل الإصلاحات الثورية بالسعودية التي تلام أيضاً على ممارسة حقها المشروع بالدفاع عن نفسها أمام العدوان الحوثي بدعم إيراني، وتنفيذها للقرار الأممي بعودة الشرعية في اليمن.
يحدث كل ذلك بينما نجد حملات إعلامية يسارية بأميركا تدفع لضرورة التقارب الأميركي مع إيران التي تحتل أربع عواصم عربية، وتقوم بإعدام حتى المصارعين، وليس الصحافيين والمعارضين، هذا عدا عن تصفية معارضي إيران في العراق ولبنان وسوريا.
وعليه، فإن القصة هي قصة شيطنة السعودية، وهي أقدم من قصة خاشقجي، وهذا يتطلب عملاً سعودياً دؤوباً في واشنطن، ومزيداً من الحوار والتواصل، وليس التصعيد أو الانكفاء.