جيمس ستافريديس
- أميرال بحري متقاعد بالبحرية الأميركية وقائد عسكري سابق لحلف الناتو وعميد كلية فليتشر للحقوق والدبلوماسية بجامعة تافتس < بالاتفاق مع «بلومبيرغ»
TT

الحلف الأطلسي أمام عقبات جسام

حضرت اجتماعي الأول لوزراء دفاع حلف شمال الأطلسي (ناتو) في إسطنبول عام 2004 بصفتي المساعد العسكري الأول لوزير الدفاع دونالد رامسفيلد. تُعقد الاجتماعات ثلاث مرات في السنة، وتوفر فرصة لجميع وزراء دفاع المنطقة لمناقشة القضايا الرئيسية. في ذلك الوقت، كنت نائب أدميرال من فئة ثلاث نجوم، لكنني عملت في الأساس حامل حقائب لرامسفيلد. وبعد مشاهدة الخطب الطويلة والمثيرة لبضعة أيام، فكرت وقلت لنفسي: «يا فتى أتمنى ألا أضطر أبداً إلى الخدمة الفعلية في ناتو».
وفي وقت لاحق، عندما أصبحت القائد الأعلى للحلفاء من 2009: 2013، كنت أحضر كل اجتماع وزاري. وبحلول ذلك الوقت، كان وزير الدفاع هو روبرت غيتس الذي شاركني شعوري بالإحباط جراء الوتيرة البطيئة والبيروقراطية المميتة في بروكسل. ومع ذلك، وعلى الرغم من لجوئي إلى لعبة الكلمات المتقاطعة لتجاوز سماع الخُطب في بعض الأحيان، فقد قدر كلانا في النهاية حجم وقدرة «ناتو» الهائلة، لأننا كنا بحاجة إليها في أفغانستان، وليبيا، والبلقان، وسوريا وفي المياه التي ينتشر فيها القراصنة قبالة القرن الأفريقي.
أكمل وزير الدفاع لويد أوستن، القائد السابق للقيادة المركزية الأميركية، جلسته الوزارية الأولى، وإن كانت عبر الإنترنت. وانطلاقاً من البيانات الصادرة عن الحلفاء والبنتاغون، عقدت مجموعة اجتماعات أولية ودية، وهذا في حد ذاته تغيير مرحب به بعد المعاملة الغاضبة، التي كان الحلف يلقاها في البيت الأبيض في عهد دونالد ترمب.
تحدث أوستن، الذي يتمتع بحضور هادئ جدير بالثناء، عن رغبته في تنشيط العلاقة بين الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، وأكد التزام أميركا بالمادة الخامسة من معاهدة الناتو التي تصنف على أن أي هجوم على دولة عضو يعد هجوماً على الجميع. وتحدث عن السلوك المزعزع للاستقرار من جانب روسيا، وصعود الصين، والإرهاب، والوباء، وتغير المناخ.
كان الأداء مطمئناً واستُقبل جيداً من قبل الجميع. وأيد الرئيس جو بايدن هذا الالتزام في الحلف الأطلسي في خطاب ألقاه بمؤتمر ميونيخ للأمن الجمعة، بقوله إن «الولايات المتحدة عازمة على إعادة التواصل مع أوروبا».
لكن وراء الراحة في عودة تعاون الولايات المتحدة، تكمن ثلاث مشكلات صعبة للغاية لا يمكن للدول الثلاثين الأعضاء في «ناتو» التخلص منها.
الأولى هي المستوى غير المتكافئ للإنفاق الدفاعي بين الولايات المتحدة وبقية دول الحلف. فحتى إذا انخفضت ميزانية الدفاع في ظل إدارة بايدن (يتوقع معظم المحللين انخفاضاً بنسبة من 1 في المائة إلى 2 في المائة)، ستظل الولايات المتحدة تنفق أكثر من كل الدول الأخرى مجتمعة. تسع دول فقط من دول الحلف الثلاثين تفي بالهدف المتفق عليه المتمثل في إنفاق 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع (الولايات المتحدة واليونان وبريطانيا وبلغاريا وإستونيا وبولندا ولاتفيا وليتوانيا ورومانيا).
يغازل الحلف فكرة زيادة التمويل «المجمع» لإجراء العمليات، التي من المحتمل أن تجلب مزيداً من الإنفاق الأوروبي والكندي إلى هذا المزيج، لكن الفكرة لم تكتسب زخماً. وسيستمر الجدل حول الإنفاق الدفاعي، خصوصاً أن جميع الدول تسعى إلى إعادة بناء الاقتصادات التي دمرها كوفيد، (وإن كان ذلك بنبرة مهذبة) لسنوات مقبلة.
التحدي الرئيسي الثاني أو المشكلة الثانية هي أفغانستان، إذ إن هناك قليلاً من الحماس للمضي قدماً في مهمة «ناتو» بالنظر إلى عقدين من الوجود المؤلم. ولكن مع وجود «طالبان» في جميع أنحاء البلاد، فإن الرحيل المفاجئ لقوة «ناتو» المتبقية التي يبلغ قوامها نحو 10000 جندي (2500 جندي أميركي والباقي من الحلفاء) قد يمثل صعوبات وجودية للحكومة الأفغانية. إنَّ انهيار كابل من شأنه أن يزيل التقدم الحقيقي في حقوق الإنسان والتعليم والمساواة بين الجنسين والديمقراطية على مدى العقدين الماضيين.
يبدو من غير المرجح أن تنسحب الولايات المتحدة ببساطة في الأول من مايو (أيار)، كما كان مخططاً مسبقاً، من دون أن تظهر «طالبان» امتثالاً أفضل بكثير لاتفاقية السلام التي تم التفاوض عليها بشكل مؤلم. ويبدو أن حلف شمال الأطلسي سوف يضطرب مع تقليص وجود القوات ويأمل أن يتحسن سلوك «طالبان».
لكن هذا يبدو غير مرجح، ومن المحتمل أن يناقش وزراء الدفاع أفغانستان في اجتماعات في المستقبل المنظور من دون كثير من القرارات.
والثالثة هي أنَّ هناك خلافاً جوهرياً حول نهج الحلف تجاه الصين، حيث تريد الولايات المتحدة جذب دول «ناتو» والدول الأوروبية الأخرى إلى تحالف عالمي مؤيد للديمقراطية كقوة موازنة عالمية للصين. ولا يريد العديد من دول «ناتو» أن توضع في خانة الاختيار الثنائي بين واشنطن، وبكين، ويريد الاتحاد الأوروبي على وجه الخصوص علاقات اقتصادية وتقنية قوية مع الصين، وهو ما سيضعف تماسك «ناتو».
هناك كثير من العقبات الأخرى التي تواجه الحلف وهي: مهمة مكافحة الإرهاب في العراق، والمغامرة الروسية في أوكرانيا، والتوتر البحري في القطب الشمالي، والاختراق السيبراني (القرصنة الإلكترونية)، وتدفق اللاجئين جراء الاضطرابات في بلاد الشام وليبيا.
لكن المشكلات الثلاث الكبرى التي أشرنا إليها هي الإنفاق الدفاعي غير المتوازن، وما يتعين القيام به في أفغانستان، وكيفية مواجهة الصين. ومع قمة الأسبوع الماضي، نستطيع القول إنَّ شهر العسل مع وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن قد انتهى.

* بالاتفاق مع «بلومبرغ»