حمد الماجد
كاتب سعودي وهو عضو مؤسس لـ«الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان السعودية». أستاذ التربية في «جامعة الإمام». عضو مجلس إدارة «مركز الملك عبد الله العالمي لحوار الأديان والثقافات». المدير العام السابق لـ«المركز الثقافي الإسلامي» في لندن. حاصل على الدكتوراه من جامعة «Hull» في بريطانيا. رئيس مجلس أمناء «مركز التراث الإسلامي البريطاني». رئيس تحرير سابق لمجلة «Islamic Quarterly» - لندن. سبق أن كتب في صحيفة «الوطن» السعودية، ومجلة «الثقافية» التي تصدر عن الملحقية الثقافية السعودية في لندن.
TT

تأملات حول عشرية الانتفاضات العربية

النسائم الباردة لشهر يناير (كانون الثاني) أمست تستدعي للذاكرة رياح الانتفاضات التي هبَّت على عدد من الدول العربية، وقد أكملت الشهر الماضي عشر سنين، الملاحظ أنه لم يعد لهذه الذكرى في الشارع العربي طعم ولا لون ولا رائحة، ولم ينجح الخصوم في «شعللتها»، كما بشر بذلك المتحمسون لها والمدافعون عنها بحسن نية أو خبث طوية، وحتى الحراكات الجماهيرية، التي اندلعت في العراق وفي لبنان وظنَّ العاشقون للانتفاضات أنها ستحيي ما سمي «الربيع العربي» تارة أخرى، هي الأخرى اشتعلت ثم خمدت بسرعة كما تنطفئ جذوة سعف النخل اليابس. هل السبب الخوف من القمع والاعتقالات كما في سوريا الأسد وليبيا القذافي؟ بالتأكيد هذا عامل مؤثر ولكنه ليس كل شيء، ولو أن قبضة الأمن تمنع من اندلاع الثورات لمنعها الأكثر بطشاً من المتعطشين للدماء كالأسد والقذافي.
قال أحدهم لسائق سيارة أجرة في أحد شوارع دولة من دول الانتفاضات العربية: عاجبكم الوضع؟ هل ثمة أمل في حراك ومظاهرات؟ فعاجله السائق: وأنت عاجبك اللي حصل ويحصل في سوريا؟ شعوب مشردة بالملايين وقتلى بمئات الألوف واختلال أمن وجوع وعري في زمهرير البرد. هذا الرد يختزل نظرة أغلبية الشعوب العربية الذين تجلت أمامهم النتائج الكارثية للانتفاضات، فعندما انقشعت الرياح الثورية العاصفة رأت الشعوب آثار الدمار الهائل للانتفاضات واستنبات الجماعات الإرهابية.
الحراك الشعبي، الربيع العربي، الثورات العربية، الفوضى العربية، الفتنة العربية، الزلزال العربي، سيختلف الناس حول المصطلح، ولا مشاحة في الاصطلاح، ولكنهم بالتأكيد سيتفقون على أن الدول التي مر بها «الحراك الشعبي»، مرت ولا تزال تمر بمخاض عسير قد يؤدي في بعض حالاته إما إلى مرض مزمن خطير (دولة فاشلة)، أو إلى موت سريري (فوضى) وفتنة لا تبقي ولا تذر.
وتبقى سوريا بدمارها الهائل وعذابات شعبها وتشرده في الداخل والخارج، التجربة الأشنع والأفظع والأخطر في تقييم «الحراك الشعبي»، وهي التي أسهمت في إقناع شريحة كبيرة من الشعوب العربية لتكون أكثر وعياً لخطورة علاج التخلف والاستبداد والفساد واحتكار السلطات وانعدام الحريات بالانتفاضات، وهذا أمر عقلاني وإيجابي، لكن بشرط ألا ينسى أحد أن بواعثه كانت الرضا بالواقع بعلاته وفساده ومشكلاته بلا محاولات جادة لإصلاحه وردم فجواته.