كولبرت كينغ
TT

«بوكو حرام».. قتل وتدمير

كتب قارئ لعمود الأسبوع الماضي عن التطرف: «الأمر لا يتعلق حقيقة بالإسلام، بل بالأمور التي تفهمها جيدا، وهي الفقر، والشعور بالاغتراب، والحرمان من الحقوق، والبحث عن معنى وهوية. يمنح التوحد مع الجماعات المتطرفة، الإرهابيين، مخزونا من الدعم والنهج والشرعية يمكن الاعتماد عليه». علّق الكاتب قائلا بأنه بينما لا توجد «صلة كبيرة» بين بوكو حرام والإسلام، تستطيع الجماعة من خلال قدرتها المسلحة الحصول على أموال وتدريب من جماعات مثل «القاعدة» و«داعش».
وحثني الكاتب على الاعتماد على فهمي لـ«الاغتراب الأسود في المدينة الداخلية» لإدراك سلوك بوكو حرام، وشاركه بعض القراء الآخرين هذا الرأي والشعور. أنا أيضا أعرف عدم الثقة والغضب والشعور بعدم الاندماج الموجود في بعض المجتمعات التي يتم تهميشها اقتصاديا واجتماعيا وعرقيا، لكن هل الدافع السلوكي لدى جماعة بوكو حرام هو الحرمان الاقتصادي أم الشعور بكونها ضحية؟ أم أن هناك دافعا آخر له صلة بالتطرف الديني العنيف؟
لا يرى الأسقف أوليفر داش دويم، مطران أبرشية الكاثوليك في مايدوغوري، شمال نيجريا، أن بوكو حرام مجرد حفنة انتهازية من المجرمين الذين يستخدمون الدين كغطاء لممارسات المرتزقة. وفي مقابلة خلال الأسبوع الحالي مع الجمعية الخيرية الكاثوليكية الدولية التي تحمل اسم «إيد تو ذا تشيرش إن نيد»، قال دويم إن جماعة بوكو حرام قد دمرت أبرشيته في غضون 5 سنوات، حيث أشار إلى تدمير 50 كنيسة، والتخلي عن 200 كنيسة أخرى. وصرح الأسقف بأن المتشددين قتلوا ألفا من أتباع الأبرشية.
وقال الأسقف إنه منذ عام 2009 هرب نحو 70 ألفا من 125 ألف مسيحي كاثوليكي في نطاق الأبرشية، وتركوا منازلهم، وكذا نصف رجال الدين في الأبرشية، حيث لجأ الكثيرون منهم إلى أبرشية مجاورة. ووصل الوضع إلى حالة ميؤوس منها في شمال نيجريا، مما دفع دويم إلى طلب مساعدة القوات الغربية لهزيمة بوكو حرام. وقال إن جزءا من الجيش النيجيري غير كفء، والآخر فاسد. وأضاف: «كان هناك بين الجنود من يتعاطفون مع بوكو حرام، بل وبعضهم كان في وقت ما منضما إلى صفوف الجماعة، بينما هرب الكثير منهم».
إن حالة بوكو حرام تفوق الحرمان والبحث عن هوية؛ فمهمتهم هي تطبيق الشريعة الإسلامية، أو على الأقل منظورهم للشريعة في نيجيريا. إن الدافع الذي يحرك الجماعة هو أصولية دينية تعاقب الناس، حيث استهدفت الجماعة الكنائس في ليلة عيد الميلاد. لا يوجد أي جانب علماني يتعلق ببوكو حرام.
بل إن زعيم بوكو حرام نفسه أبو بكر شيكاو قد أقرّ بذلك. وأعلن مسؤوليته، في مقطع مصور على موقع «يوتيوب»، عن مذبحة حدثت في بلدة باغا شمال شرقي نيجريا، حيث تم قتل المئات في موقع الأحداث، أو تم اقتيادهم من منازلهم وقتلهم، حيث قال، بحسب «أسوشييتد برس»: «نحن الذين قاتلنا أهل باغا، وقتلناهم بهذه الطريقة كما أمرنا الله في كتابه».
وصرحت منظمة العفو الدولية بأنه تم قتل ألفي مدني، وتدمير 3700 منزل ومقر عمل في هجوم 3 يناير (كانون الثاني) على باغا التي تقع بالقرب من حدود نيجيريا مع الكاميرون. وقال شيكاو: «ليست هذه سوى بداية لعمليات قتل أخرى. ما شاهدتموه ليس سوى قمة جبل الجليد، فهناك المزيد من القتل في الطريق. لقد مر وقت طويل منذ أن زرت نيجيريا التي تتسم بالتنوع العرقي والديني. وكانت التوترات العرقية واضحة خلال رحلاتي في ثمانينات القرن الماضي، حيث خاضت الدولة حربا أهليا في حقبة الستينات، لكن خطر التطرف الديني العنيف لم يكن موجودا تقريبا».
وكان هذا حال اليمن أيضا الذي سمعت فيه الأذان للمرة الأولى، وكذا في مصر وعمان، والكويت، والمملكة العربية السعودية، والسودان، الذي زرته في رحلة عمل خلال مسار مهني مختلف. ولم يكن هناك في صنعاء حينها تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، ولا تنظيم داعش. إنه زمن مختلف. ربما يكون «الاغتراب» و«البحث عن معنى» من العوامل التي أدت إلى هذا الوضع؛ إضافة إلى الكراهية التي تؤدي إلى ارتكاب فظائع التمثيل بالجثث والمذابح باسم الله، حتى وإن كان بطريق الخطأ.
* خدمة «واشنطن بوست»