د. طارق فهمي
TT

المسارات الخليجية بعد «قمة العلا»

جاءت القمة الخليجية رقم 41 في توقيت له دلالاته من حيث الهدف والنتائج الأولية لما أسفرت عنه القمة من نتائج مهمة وذات أثر كبير. فقد حرصت السعودية على إنجاح القمة قبل أن تبدأ فعالياتها من خلال إجراءات تنفيذية بفتح الأجواء السعودية أمام الطيران القطري، ودعت لضرورة تعزيز العمل العربي المشترك، وإعادة تفعيل دور مجلس التعاون الخليجي بعد سنوات من الجمود الواقعي. والحقيقة أن الخطاب السياسي والإعلامي السعودي قبل وأثناء القمة كان منطلقاً حقيقياً لما هو مقبل على صعيد تقريب وجهات النظر بين الأطراف المختلفة، ومحاولة بناء إجراءات ثقة تشمل الجميع، والعمل على حل المشكلات بطريقة هادئة، وهو ما عبر عنه الخطاب الملكي في كل رسائله الدبلوماسية والإعلامية وبصورة هادئة. وقد نقل الخطاب الكرة إلى الملعب القطري خصوصاً مع حرص السعودية على لم الشمل في الخليج، وإعادة بناء منظومة العمل الخليجي مجدداً، وإحياء دور الدبلوماسية الخليجية في مواجهة التحديات والمخاطر الإقليمية، التي تتمثل في الدور الإيراني غير المشروع ومسعى الجانبين التركي والإسرائيلي للتدخل في الشأن الخليجي.
والواقع أن نجاح «قمة العلا» ارتبط بعدة أمور؛ أولها امتلاك الجانب السعودي لإرادة سياسية حقيقية لترميم البيت الخليجي، ونقل رسالة لقطر بضرورة الانتقال لمرحلة جديدة من العمل الخليجي، ومواجهة ما يجري في الإقليم من تطورات ستطول كل الأطراف العربية، وليس الخليجية فقط. وثانيها إدراك الدول الخليجية بأن مركز القرار الخليجي يقع في الرياض، والثقة الكبيرة التي توليها دول مجلس التعاون للسعودية باعتبارها مركز الحركة، ليس في الخليج فقط وإنما في النطاق العربي بأكمله. وفي ظل رهانات حقيقية معلومة بأنه إذا قدر للنظام الإقليمي العربي أن يستيقظ من غفوته فسيكون من خلال تحرك ثلاثي لمصر والسعودية ودولة الإمارات العربية بالأساس، باعتبار أن هذه الدول باتت تمثل المنطلق والركيزة لأي عمل عربي حقيقي في مواجهة التحديات الراهنة والمتوقعة، التي تستهدف نظاماً شرق أوسطياً، سواء على المستوى السياسي أو الأمني.
ومن ثم فإن «قمة العلا» الناجحة جاءت في سياق استثنائي، وفي إطار مواجهة ظاهرة الإرهاب وتمويله، ومواجهة خطاب التحريض علي العنف، إضافة إلى مواجهة موجة التدخلات الإقليمية الساعية لهز الاستقرار في المنطقة، وهو ما أدركته قيادات دول مجلس التعاون، وتسعى لإحباطه ومواجهته، بل وطرح التداعيات للسياسات الإقليمية التدخلية لمواجهة ما يجري في ظل تعزيز فكرة الحوار الخليجي - العربي عبر استراتيجية واضحة المعالم. وتؤكد تلك الاستراتيجية المبتغاة مكانة دول الخليج في المنظومة الإقليمية والدولية وتعاونها، وبالتالي فإن التعامل الواقعي مع التطورات الجارية أمر حيوي في ظل حالة من عدم الاستقرار تعم النظام الدولي الراهن بسبب تداعيات أزمة «كورونا»، وما ارتبط بها من تطورات ستغير من إطار العلاقات بين الأقاليم والدول الكبرى في الفترة المقبلة.
والسؤال ماذا بعد القمة الخليجية؟ وما مسارات العمل الخليجي في ظل المخاطر التي يتعرض لها الإقليم وكيفية التعامل معها؟ خصوصاً أن تعزيز العمل الخليجي بالأساس هو المنطلق لأي تصور سياسي أو استراتيجي تقود حركته السعودية بثقلها العربي والإسلامي، وفي ظل وجود قوى متربصة بأمن الجميع، ومن ثم فإن تعزيز العمل العربي عامة والخليجي خاصة يؤكد بالفعل وجود الخيارات العربية القادرة على المواجهة، بل ووضع استراتيجيات المجابهة من الآن فصاعداً، وهو ما أكدته «قمة العلا» مؤخراً، وبصرف النظر عن التفاصيل فنحن أمام مشهدين متوقعين في الفترة المقبلة؛ الأول انطلاق الدول الخليجية - وهو الأرجح والأبرز حضوراً - في تحقيق حضورها ورسم مساراتها ودعم علاقاتها الثنائية والمتعددة، وإعادة ترتيب حساباتها وخياراتها بصورة أكثر تخطيطاً وتنظيماً، وفقاً لبيان «قمة العلا»، وما جاء به من بنود، وهو ما ستقوم به السعودية ودولة الإمارات العربية، وسيتنامى في الفترة المقبلة في إطار ترسيم علاقات خليجية - خليجية، وخليجية - دولية، تقوم على الندية المتبادلة، وعلى أساس قاعدة المصالح المشتركة والفوائد المتبادلة، وهو ما سيكون أحد مسارات الحركة السياسية التي تستند إلى مبدأ الواقعية السياسية الحقيقية. ويأتي تالياً الوقوف في مواجهة المخططات الإيرانية والتركية، واستعادة أركان النظام الإقليمي العربي وأسسه، بما يؤكد فاعلية مجلس التعاون الخليجي بقوة، وهو ما لا تريده هذه القوى الإقليمية وبعض الدول الكبرى التي لها مصالحها الاستراتيجية الكبيرة. ومن ثم فإن دول مجلس التعاون الخليجي بقيادة السعودية ستمضي في تحقيق سياستها في ظل استراتيجية ممتدة وفي ظل مخطط يسعى للتحول لمركز الثقل العربي الجديد انطلاقاً مما جاءت به قمة العلا 2021، وبالتالي فإن سيناريو الانطلاق والتأسيس الجديد للمجلس سيكون مسؤولية كبيرة على عاتق السعودية ودولة الإمارات العربية، وفي ظل الفرصة المتاحة عربياً وإقليمياً لإعادة وتعزيز فرص العمل في مواجهة ما يستهدف أمن الإقليم من مخططات تدركها جيداً دول مجلس التعاون وتستشرف تطوراتها بالفعل.
في مقابل هذا المسار، فإن المسار الثاني - وهو مطروح - ينطلق من استمرار محاولة بعض الدول الإقليمية في عرقلة ما يجري خليجياً، ومحاولة وضع العراقيل أمام تنمية وتطوير الأهداف التي وضعتها دول المجلس التعاون في القمة الأخيرة على اعتبار أن استمرار المخطط الإقليمي، جزء أصيل من استراتيجية مفتوحة لإعادة تمركز الدول الإقليمية في قلب النظام الخليجي خاصة، والعربي عامة، ما يتطلب مواجهة وتحركات من دول المجلس، وهو ما تقوم به الدول الخليجية إيماناً منها بأن التدخلات الإقليمية تستهدف الضغط على الدول الخليجية، وتحريف مسارات حركتها في الإقليم.
- أكاديمي مصري متخصص في العلاقات الدولية