لقد عرف الرئيس ترمب أنه هُزم، ولكنه لم يرد أن يخرج من دون ضجيج. نفهم موقفه أكثر لو نظرنا إلى السنوات الأربع الماضية. لم تتوقف معركة عض الأصابع وشد الشعر مع خصومه يوماً واحداً. ولهذا أراد أن ينزع الشرعية عن الرئيس المنتخب بايدن حتى قبل أن يبدأ، مثلما شكك الديمقراطيون في شرعيته عندما قالوا إن الروس تدخلوا لنصرته وحاولوا عزله. كل هذا مقبول في عالم الصراع الحزبي الذي لا يعرف القواعد الأخلاقية. إنها حلبة ملاكمة مغطاة في الوحل تقام عليها لعبة دموية لا تعرف الحدود، ولكنها متفق عليها من الطرفين. لنتذكر في انتخابات 2016 عندما سرب الديمقراطيون تسجيلاً صوتياً لترمب يتكلم عن النساء بطريقة جنسية فاضحة. قام بعدها ترمب بصف خمس نساء يتهمن الرئيس السابق بيل كلينتون بالتحرش، وجلس وسطهن في مؤتمر صحافي نقلته التلفزيونات.
في 6 يناير (كانون الثاني) جيَّش ترمب أنصاره للتظاهر أمام الكونغرس، وخرجت العملية عن السيطرة عندما اقتحموا المؤسسة الدستورية العريقة. غلطة دفعها الرئيس ترمب عنه، وظهر سريعاً في خطاب نأى بنفسه عن الهجوم، وتوعد المعتدين، ولكنها أصابته بالضرر حتى من وجهة نظر الجمهوريين. لقد ذهب أكثر مما يجب، وأدرك هو نفسه هذا الأمر، لهذا خفف الاحتقان وتحدث بلغة جديدة هادئة، واعترف بالهزيمة، وقال إن الانتقال سيحدث سلمياً.
بعدها بيومين قدمت «تويتر» هدية ثمينة للرئيس الجريح والمهزوم، عندما أغلقت حسابه للأبد. لقد تحول ترمب من المعتدي إلى الضحية. لقد وضعت في يده السلاح الأهم. لن يكون فقط ضحية التزوير، كما يقول، ولكن ضحية شركات التقنية الكبيرة المستبدة التي تحاول إسكاته. ومن دون أن نفكر كثيراً سيكون هذا شعار خطابه السياسي القادم أو حملته السياسية، إذا عزم الترشح من جديد بعد 4 أعوام.
والسؤال الذي يطرحه الجميع الآن: هل «تويتر» محقة في إقفال حسابه؟
الجواب أتى سريعاً من العضو الجمهوري ليندسي غراهام، الذي قال: كيف يمكن أن يُمنع ترمب ويُسمح لخامنئي بالتغريد؟!
ليس فقط خامنئي، ولكن كل فريق الأحلام من الإرهابيين وزعماء الميليشيات من «القاعدة» و«حزب الله» والحوثيين، وغيرهم، يغردون بأسمائهم الصريحة. من الصعب الدفاع عن هذا القرار الذي تورطت فيه الشركة سابقاً عندما دخلت في قلب الصراع الحزبي، بحذف تعليقات للرئيس الأميركي، ووضع تعليقات وروابط، وغيرت بذلك موقعها من ناقل محتوى إلى مشارك فيه. ورد النقاد عليها حينها بأن عليها مراجعة ملايين التغريدات المشكوك فيها وتعديلها. وهذا ما دفع مالك «تويتر» للتراجع عن هذا الموقف، ووضع اللوم على بعض الموظفين.
ورغم كل منطقية من ينتقد العديد من تغريدات ترمب الهائجة، فإنها تظل في نطاق حرية التعبير. والإغلاق والحذف الكامل بشكل نهائي (وليس حجب أو حذف بعض التغريدات التي يمكن أن تبرر) يعزز الانتقادات الموجهة لشركات التقنية الكبيرة، من أنها فقدت حيادها، ودخلت بشكل أكبر في الصراع الحزبي، وانحازت لليسار على حساب الجمهوريين والمحافظين الباحثين الآن عن منصات أخرى، بعدما أدركوا متأخرين أنهم مكشوفون ومن دون منصات كافية توصل أصواتهم المكتومة. وهناك اتهام آخر لهذه الشركات بأنها تضخمت أكبر مما يجب، وتلعب دور الأخ الأكبر، وتخنق الآراء التي لا تتناسب مع مزاج ملاكها.
الحجة التي تتبناها «تويتر» ليست صلبة، فليس من السهولة أن تحذف حساب رئيس دولة يتابعه الملايين من دون أن تلقي ظلالاً من الشكوك على نزاهتك ومبادئك. ولكن لماذا فعلتها «تويتر» بعيداً عن التهم غير المقنعة التي ساقتها؟ من الواضح أن هدفها إضعاف ترمب وحذفه من الرادار الشعبي بشكل كامل، وبالتالي إنهاء الظاهرة التي خلقها خلال السنوات الأربع الماضية. وهذه خطوة ذكية؛ لأن «تويتر» هي وسيلته الأقوى في التواصل مع جمهوره وتحريك قاعدته الشعبية. فصل كل الأسلاك عنه سيجعله يتحدث مع نفسه في غرفة مظلمة. أدركت شركة «تويتر» أن هذه هي اللحظة المناسبة لإنهاء ترمب، وشل قدرته أيضاً على العودة من جديد للأضواء التي لن تحدث بالطرق التقليدية القديمة.
ترمب الآن محاصر من العمالقة: «تويتر»، و«فيسبوك»، و«إنستغرام»، ونجاحه في الفترة القادمة هو أن يوجد وسيلة أو منصة جديدة موثوقة تعيد لم شمل مناصريه التائهين. إنه الآن ميت سريرياً بعد أن سحبت منه أنبوبة الأكسجين الوحيدة التي يتنفس بها، وسيكون صعباً جداً عليه العودة من جديد؛ لكن من يدري!
8:37 دقيقه
TT
هل «تويتر» محقة في حذف ترمب؟
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة