حمد الماجد
كاتب سعودي وهو عضو مؤسس لـ«الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان السعودية». أستاذ التربية في «جامعة الإمام». عضو مجلس إدارة «مركز الملك عبد الله العالمي لحوار الأديان والثقافات». المدير العام السابق لـ«المركز الثقافي الإسلامي» في لندن. حاصل على الدكتوراه من جامعة «Hull» في بريطانيا. رئيس مجلس أمناء «مركز التراث الإسلامي البريطاني». رئيس تحرير سابق لمجلة «Islamic Quarterly» - لندن. سبق أن كتب في صحيفة «الوطن» السعودية، ومجلة «الثقافية» التي تصدر عن الملحقية الثقافية السعودية في لندن.
TT

الولايات المشروخة الأميركية

دخلت حقبة الرئيس ترمب، بعد حادث اقتحام أنصاره العنيف لقلعة الديمقراطية «الكونغرس الأميركي»، التاريخ من «أشرخ» أبوابه؛ شرخ في المجتمع الأميركي الذي بلغ الانقسام المجتمعي الخطير فيه ذروته في عهده، وشرخ في الديمقراطية، وشرخ في سمعة الولايات المتحدة، وشرخ في الأمن القومي، وشرخ في المنظومة التي جاءت برئيس يتنفس الصراعات العدمية والمناكفات العرقية والتحرشات السياسية كما يتنفس البشر الأكسجين، وشرخ في علاقات أميركا وتحالفاتها، وشرخ في قيادة الحكومة الأميركية، فمن يصدق أن الذي أمر الحرس الوطني بالتدخل هو نائب رئيس الولايات المتحدة، وليس الرئيس ترمب، كما أفادت بذلك صحيفة «نيويورك تايمز» الرصينة، أي أن نائب الرئيس يتدخل لحماية معقل الديمقراطية «الكونغرس» من أنصار رئيسه، وشرخ في المكون العرقي الموزاييكي، وشرخ في رصانة رئاسة أكبر وأقوى دولة في العالم، وشرخ عميق في الحزب الجمهوري الذي ندد رموزه وقادته ومفكروه بما تسبب فيه الرئيس ترمب من فضيحة «اقتحامية» سياسية كبرى، حتى طالب بعض النواب الجمهوريين بالبدء قانونياً في إجراءات عزله، وشرخ في مصداقية العملية الانتخابية لأكبر دولة ديمقراطية، وسيكون الأمر مهضوماً لو أن الذي شكك في نزاهة الانتخابات حزب معارض أو اتهم العملية الانتخابية أحد مساعدي ترمب؛ لكن أن يصدر التشكيك من الرئيس نفسه، ثم يختمها بتحشيد أنصاره للتشغيب على الكونغرس وهو يقر نتائج الانتخابات الرئاسية، ثم يوجه أنصاره، الذين تسوروا حواجز وأسوار الكونغرس وعبثوا به، بلغة مائعة رخوة للعودة إلى بيوتهم من دون التنديد بعملية الاقتحام المستهجنة؟!
ومع ذلك كله، وعلى الرغم مما عبر عنه عدد من الساسة الأميركيين، ومنهم جمهوريون، من «خطورة الرئيس ترمب على الأمن القومي الأميركي»؛ خصوصاً بعد حادثة اقتحام أنصاره للكونغرس، فإن الخطر الحقيقي الأكبر يكمن في «الترمبية الشعبوية» التي سيتركها ترمب خلفه بعد مغادرته البيت الأبيض وليس شخص ترمب، فالدعم الشعبي الهائل الذي ساند ترمب في الحملة الانتخابية يحمل أعراض العنصرية العرقية والدينية، وهذا هو الشرخ الأكبر الذي زاده ترمب اتساعاً.
ظاهرة الترمبية هذه الأيام استدعت لدى بعض المراقبين تجربة حكم هتلر في المانيا، مع الفوارق الكبيرة بينهما في الظروف والنشأة والتجربة والآيديولوجيا، إلا أن هناك تشابهات ولو قليلة لا تنفك تمر بذهن البعض، حين تسبر حال الرئيس ترمب منذ انتصاره في الانتخابات الرئاسية الأميركية حتى خسارته في سباقها الأخير، فهتلر امتطى نازيته العنصرية الشعبوية في الانتصار الساحق في انتخابات ديمقراطية ألمانية حرة، والرئيس ترمب ركب موجة الشعبوية في الانتصار الصريح في انتخابات ديمقراطية حرة، ولكن الفارق الجوهري بين التجربتين أن الدولة الأميركية العميقة بمؤسساتها وسياسييها ومفكريها وإعلامها كانت اللجام الذي لجم «الترمبية» من أن تنتصر وتتسيد، وأما النازية فكانت بلا لجام ولا «خطام» فسادت ثم أبادت وأهلكت حرث ونسل ألمانيا وأوروبا، وتبقى المسؤولية الكبرى على المؤسسات الأميركية التي انتصرت في «معركة الكونغرس» على أنصار ترمب، أن تعالج من الجذور الشروخ والندوب التي أحدثتها «الترمبية» في الجسد الأميركي.