د. جبريل العبيدي
كاتب وباحث أكاديمي ليبي. أستاذ مشارك في جامعة بنغازي الليبية. مهتم بالكتابة في القضايا العربية والإسلامية، وكتب في الشأن السياسي الليبي والعربي في صحف عربية ومحلية؛ منها: جريدة «العرب» و«القدس العربي» و«الشرق الأوسط» اللندنية. صدرت له مجموعة كتب؛ منها: «رؤية الثورات العربية» عن «الدار المصرية اللبنانية»، و«الحقيقة المغيبة عن وزارة الثقافة الليبية»، و«ليبيا بين الفشل وأمل النهوض». وله مجموعة قصصية صدرت تحت عنوان «معاناة خديج»، وأخرى باسم «أيام دقيانوس».
TT

ليبيا وموعد مع القبعات الزرقاء

ليبيا على موعد مع وجود أصحاب القبعات الزرقاء، في ظل الحشد والتصعيد على جبهتي «سرت - الجفرة» وتدفق السلاح والمرتزقة، خصوصاً من الجانب التركي الراعي الرسمي للفوضى والتصعيد للاحتراب في ليبيا، جاء مقترح الأمم المتحدة لبعث مراقبين دوليين لمراقبة خط وقف إطلاق النار عند خط «سرت - الجفرة» بعد اقتراح الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس الذي قال «أشجع الدول الأعضاء والمنظمات الإقليمية على دعم تفعيل آلية وقف إطلاق النار، بما في ذلك من خلال توفير مراقبين تحت رعاية الأمم المتحدة».
التوتر والتصعيد عند خط سرت - الجفرة، الذي يقع جغرافياً ما قبل الهلال النفطي بالنسبة للجانب الموالي للأتراك وتابعته حكومة الوفاق غير الشرعية، ما جعل مطامع إردوغان في خطر، لكون الهلال النفطي ليس في جانب الجغرافيا التي تحتلها القوات التابعة والموالية لإردوغان ووزير حربه، خالوص أكار، الذي لم يستحِ من توجيه تهديد للجيش الوطني الليبي في أرضه، بينما كان خالوص أكار يرقص مع جنوده ومرتزقته في حفل بقاعدة معيتيقة التي تقع تحت سلطة ميليشيا الردع الموالية لحكومة الوفاق غير الشرعية.
كان على وزير حرب تركيا أن يدرك أن بنادق ومدافع وطائرات الجيش الليبي لن تظل صامتة أمام الغزو التركي لليبيا واحتلالها بالمرتزقة، ونهب ثرواتها عبر اتفاقيات باطلة رسمت جغرافياً حدودية زائفة مع الباب العالي تدعم تجديد الأعمال العدائية ضد الجيش الوطني الليبي بدعمها للميليشيات المحلية وجلبها للمرتزقة الأجانب والسوريين خاصة، تركيا تواصل انتهاك حظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة على ليبيا منذ عام 2011 ودعمها لميليشيات محلية موالية لتركيا وليس لليبيا، ما تسبب في إجهاض جميع المساعي الدولية والإقليمية لحلحلة الأزمة الليبية.
مطامع إردوغان في الاستحواذ على النفط الليبي وعدم سيطرة القوات الموالية له على الهلال النفطي، هو ما جعل خط «سرت - الجفرة» محور توتر وتصعيد رغم الضغوطات الدولية الأخيرة؛ ومنها التهديد المصري الجاد بأن تجاوز خط «سرت - الجفرة » هو تجاوز للخط الأحمر لعمق الأمن القومي المصري - الليبي المشترك، ما دفع الرئيس المصري لإعلان ذلك بصراحة ووضوح من إحدى قواعده على الحدود الغربية لمصر مع ليبيا، في رسالة واضحة للتهور التركي الإردوغاني، وأن الأمن القومي المصري ليس للعب أو العبث.
إردوغان وجد نفسه في مأزق؛ إن تقدم بقواته التي جلبها من المرتزقة السوريين نحو خط سرت - الجفرة سيكون في مواجهة غير مضمونة النتائج مع الجيشين المصري والليبي، وبالتالي ستكون حرباً قد تتجاوز الحرب الإقليمية، ولهذا تداركت القوى الدولية ومنها الإدارة الأميركية لمنع التهور التركي من التقدم نحو خط سرت - الجفرة الذي تلون باللون الأحمر.
وجود مراقبين دوليين جاء ضمن اتفاق الجيش الليبي والقوات الموالية لحكومة الوفاق ومخرجات اللجنة العسكرية المشتركة «5+5» أقر بالموافقة على إمكانية وجود مراقبين يتم اختيارهم من دول يتوافق عليها الطرفان، وبمواصفات واضحة ومحددة، قد يضمن في صفوفه مراقبين دوليين غير مسلحين وغير نظاميين أو عسكريين سابقين في الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية.
بين حالة الحرب المؤجلة وانتظار القبعات الزرقاء، بقي الحوار الليبي متعثراً بين ترميم المجلس الرئاسي الحالي، وتشكيل مجلس جديد بحكومة تعتمد تقاسم السلطات السيادية بين الأقاليم التاريخية الثلاثة «برقة وطرابلس وفزان»، الأمر الذي يلقى ترحيباً مجتمعياً في حين يواجه رفضاً من أنصار السلطة المركزية.
إنهاء المرحلة الانتقالية التي طالت لعشر سنوات عجاف بانتخابات آخر آجالها في ديسمبر (كانون الأول) من العام الجاري، كما حددها حوار تونس برعاية أممية، يبقى هو الأمل في التخلص من جميع الأجسام الحالية التي انتهت شرعيتها الانتخابية منذ سنوات من دون أن تسلم السلطة وتعيدها للشعب عبر الصناديق، لإعادة انتخاب ممثليه بحرية قد تمكنه من إنتاج سلطة وطنية تعيد البوصلة الوطنية إلى مسارها الوطني الصحيح.