د. ياسر عبد العزيز
TT

د. «غوغل»... هل أُصبت بـ«كورونا»؟

في واحدة من المحاولات الكوميدية التي سعت إلى توضيح الدور الذي يلعبه محرك البحث الأهم «غوغل» في حياتنا، كان «الكوميكس» الذي يظهر فيه أحدهم جالساً إلى حاسوبه الإلكتروني بينما يكتب في خانة البحث على هذا المحرك الشهير السؤال التالي: «غوغل... أين فردة حذائي اليسرى؟».
لا يبدو هذا مستغرباً بطبيعة الحال، خاصة إذا علمنا أن «غوغل» أضحى الوجهة الأهم والأكثر طلباً من معظم سكان العالم الذين يستخدمون «الإنترنت» فيما يخص الحصول على المعلومات ومعالجة الانشغالات، سواء كانت جادة أو خدمية أو ترفيهية. ويلعب «غوغل» هذا الدور بفاعلية كبيرة، وعلى الأرجح فإنه لا يواجه منافسة ذات شأن في هذا الصدد، ولذلك فإن المساحة التي يهيمن عليها في صناعة الوعي العمومي الكوني تزيد، ومع تلك الزيادة تتضاعف الأرباح، وبالتأكيد تتضاعف المسؤوليات أيضاً.
مسؤولية «غوغل» عن الحالة المعلوماتية العالمية غدت موضع توافق كبير، وكيف لا؟ ألا يشخص هذا المحرك الأشهر مهمته بصفتها: «تنظيم المعلومات على المستوى العالمي، وجعل الوصول إليها متاحاً، وجعلها مفيدة»؟
ينجح «غوغل» باطراد في تنفيذ بعض أركان هذه المهمة، فقدرات التنظيم التي يعتمدها تبدو فائقة، وفي تطور مستمر، ويقتضي الإنصاف القول إنه ينفق بسخاء على تعزيز تلك القدرات عبر رفدها بترقيات الذكاء الاصطناعي من جانب، ورفع كفاءتها باستخدام «خوارزميات» التهجئة المحسنة من جانب آخر؛ يعد ذلك عصب مهمة «غوغل» ومناط وجوده أساساً، لذلك لم يبخل في تركيز الجهود في هذا الإطار. أما الركن الثاني الذي حدده لنفسه ضمن تشخيصه لمهمته، فليس سوى إتاحة البحث عبره للجمهور العالمي، وهو في ذلك استطاع أن يحصل على العلامة الكاملة. لكن الركن الثالث من أركان مهمة «غوغل» يحتاج إلى مراجعة عميقة، وربما سيظهر كثير من النقاد الذين يتهمونه بأنه أتاح للمتفاعلين بث محتويات «غير مفيدة»، بل ربما كان بعض هذه المحتويات ضاراً مقوضاً للسلامة العامة.
حينما يشعر الناس الذين يمتلكون نفاذاً إلى شبكة «الإنترنت» بالخوف أو القلق أو الألم، فإنهم يلوذون أولاً بـ«غوغل»؛ هل يمكننا التصويت على هذه الفرضية؟
من جانبي، سأصوّت بـ«نعم».
ليس هذا جواباً متسرّعاً، أو تأسيساً على انطباع. ففي فبراير (شباط) الماضي، نشرت «النشرة الدولية لبحوث البيئة والصحة العامة» نتائج دراسة مهمة شارك فيها عدد كبير من الباحثين على صعيد عالمي، تحت عنوان: «د. غوغل... أنا أشعر بألم». وهي الدراسة التي أخضعت عمليات البحث التي أجريت على محرك البحث الأشهر للفحص على مدى 14 سنة (تنتهي في 2019) فيما يتعلق بالجوانب الصحية. وتوصلت الدراسة إلى أن اللجوء إلى «غوغل» للحصول على المعلومات الصحية الخاصة بأعراض مرضية أو وسائل العلاج توجه مهيمن، وأنه يتزايد، وأن أكثر ما يسأل الناس عنه في هذا الصدد (حتى ذلك التاريخ) كان ما يخصّ «الصداع».
إذا تفقّدت بيانات «غوغل تريندز» (Google Trends) الخاصة بعام 2020، فستجد أن أكثر المواضيع التي تم البحث عنها على مدار العام كان «فيروس كورونا» (كوفيد-19)، وأن أكثر الأخبار التي تم البحث عنها كانت تتعلق بـ«كورونا» أيضاً.
لم أقع على دراسة يمكن أن تحلل الدور الذي لعبه «غوغل» في الحالة المعلوماتية المصاحبة لفيروس «كورونا» في عالمنا، لكنني أعرف ثلاثة أشياء مؤكدة: أولها أن ثمة «وباءً معلوماتياً» يجتاح العالم بخصوص هذه الجائحة. وثانيها أن «غوغل» يهيمن على القطاع الأهم من النسق المعلوماتي العالمي في هذا الصدد. وثالثها أن شركة «ألفابت» التي تمتلك هذا المحرك تحقق أرباحاً ضخمة، وتمتلك إمكانيات يمكنها من خلالها أن تحد من تداعيات هذه الجائحة المعلوماتية الخطيرة.
كانت أرباح «ألفابت» في 2019 تزيد على 34 مليار دولار أميركي، مقابل 30.73 مليار دولار في 2018. ورغم أن معظم قطاعات الأعمال العالمية مُنيت بخسائر بسبب تداعيات الفيروس، فإن تلك الشركة كانت من أولئك الذين زادت أرباحهم في 2020، حتى إنها حققت إيرادات زادت على 46 مليار دولار في الربع الثالث من العام المنصرم.
في يوليو (تموز) الفائت، قال «غوغل» إنه سيتخذ إجراءات للحد من المحتويات الخطيرة «التي تخالف الإجماع العلمي» بخصوص «كورونا»، وإنه سيقيّد ترويج «نظريات المؤامرة» الزائفة الخاصة بالفيروس.
ومن جانبي، لا أعتقد أن «غوغل» فعل ما يلزم في هذا الصدد، وهو يمتلك القدرات المالية والتقنية اللازمة لتحسين بيئة المعلومات العالمية المواكبة لتلك الجائحة، ومن واجبه أن يبذل مزيداً من الجهد لتحقيق ذلك الهدف.