رضوان السيد
كاتب وأكاديميّ وسياسي لبناني وأستاذ الدراسات الإسلامية في الجامعة اللبنانية
TT

المشكلة اللبنانية وحلولها العجائبية!

كان إحراق مخيم اللاجئين السوريين بالمنية على مقربة من بلدة بْحَنين فعلاً إجرامياً يبعث على العار والشنار والفضيحة. والباعث على العار من جهة ثانية زيارة وفدٍ (جليل) من السفارة السورية في لبنان لموطن الحريق والإحراق أسىً وأسفاً واستنكاراً، كأنما لا علاقة للنظام السوري بما حدث ويحدث لملايين السوريين الهاربين من «مناعم» النظام في جهات العالم الأربع!
وإلى هذه الفضيحة التي صار يحدث مثلها وأفظع منها في لبنان كل يومٍ تقريباً، هناك الهول الأفظع في مسألة «القرض الحسن» الذي أنشأه «حزب الله» قبل عقدين لرعاية أنصاره من فقراء الطائفة، ثم تبين من طريق المقرصنين الظرفاء الذين كشفوا هذه الأيام عن لوائح المودعين والمقترضين، أن القرض ما عاد قرضاً ولا حَسَناً ولا حسنة؛ وإنما هو نظامٌ مصرفي كاملٌ، تامّ الانفصال عن النظام المصرفي اللبناني العريق الذي يتصدّع وينهار، طاحناً في انهياره مدخرات المودعين الصغار قبل الكبار والذين فقدوا جنى العمر وحتى المرتبات الشهرية الضئيلة التي لا يصلون إليها في رحلة العذاب الشهرية إلا بشقّ الأنفُس! ثم ماذا لو وصلوا إليها أخيراً؟ لقد فقدت ثمانين في المائة من قيمتها وقدرتها رغم شكلها الورقي الجميل.
واحزروا ما الشعار الذي ينشره البنك المركزي والمصارف المتداعية في وسائل الإعلام وعلى الحيطان: «عُملتنا هي اللي عِمِلتْنا»! وكأننا من خَلْقهم وليس من خَلْق الله!
المهم أن آلية القرض غير الحسن تداولت عام 2020 بنصف مليار دولار.
ومنذ أواخر أكتوبر (تشرين الأول) عام 2019، تتمركز كل يوم مجموعات من الحزبيين ومدّعي اليسار والعداء لأميركا (ما غيرها!) أمام المصرف المركزي ونقابة المصارف، صارخة: «فليسقط حكم المصرف»! ويوم الثلاثاء 29 ديسمبر (كانون الأول) 2020 احزروا إلى أين وصل صراخ هؤلاء: إلى مداخل الجامعة الأميركية، بحجة أن الجامعة رفعت الأقساط، لكنني وأنا أُدرّس بالجامعة منذ خمس سنوات ما عرفتُ بينهم واحداً من الطلاب المتظلمين.
فيا أيها الحزب العظيم، ما دمتَ تملك نظامك المصرفي (الحسن)، فما حاجتك للإسهام في هدْم النظام المصرفي القائم، على طريقة أن العملة «الرديئة» تطرد العملة «الجيدة» من السوق؟!
الحزب صار عنده هاتفه الخاص، ومصرفه الخاص، ومدارسه الخاصة، وحوزاته الخاصة، وضمانه الاجتماعي الخاص، وجيشه الخاص، دون أن يستغني عن الاستيلاء على الضمان الرسمي، وعلى المطار، والمرفأ، والحدود البرية للبلاد، وأمنها وعسكرها، وحربها وسلمها، بل وترسيم الحدود مع فلسطين المحتلّة بعد أن ألغاها مع سوريا الأسد لشدة وحدويته!
في الفترة الماضية، بل خلال نحو العقدين، اختلف الإعلاميون والمراقبون بشأن «أهداف الحزب» بين إنشاء دويلة إلى جانب الدولة القائمة، أو الاستيلاء على الدولة نفسها.
وفي الحقبة الطويلة الطويلة (4 سنوات) التي سيطر فيها الجنرال و«الحزب» وحدهما، ذابت الفواصل بين الدولة والدويلة تماماً، ولحساب الدويلة، ولذلك، ومع تصدُّع البقايا، فهل يتجه المعصومون للاستيلاء الكامل، والإعلان عن نظامٍ جديد؟!
الدكتور سمير جعجع زعيم حزب القوات اللبنانية، الذي كان قد أيَّد وصول الجنرال للرئاسة عام 2016، رغم معرفته الجيدة به منذ الثمانينات، ثم فكَّ تحالفه معه بعد انتخابات عام 2018، يعدّ أن الحل الإنقاذي جاهز وبسيط: إجراء انتخابات مبكرة، تغير الأكثرية الراهنة في مجلس النواب. إلى هذا الحد يثق الحكيم بالنظام البرلماني اللبناني وانتخاباته الحرة؟ لكن كيف ينسى، وهو من أعلام وقادة «ثورة الأرز» و«14 آذار»، أن هذا التحالف امتلك الأكثرية بالمجلس منذ انتخابات عام 2005، وإلى انتخابات عام 2018، لكن «الحزب» ورئيس المجلس أقفلوه سنوات عدة، واحتل الحزب بيروت عام 2008، وأسقط حكومة سعد الحريري المنتخبة عام 2011، وخلال تلك المدة الطويلة نقضوا الإجماع الوطني على النأي بالنفس (عن الأزمة السورية)، وذهبوا للقتال في سوريا والعراق واليمن، ولا ندري أين وأين أيضاً؟!
الدكتور جعجع لا يرى في استقالة الجنرال حلاً للأزمة، وإنما المشكلة في عمل رئيس مجلس النواب الحالي على تغيير قانون الانتخابات! يا سيدي، هل أنت في فرنسا أم إسبانيا؟ كم ستكسب أنت المعارض الكبير في انتخابات بالقانون الحالي نتيجة انهيار التيار العوني: خمسة نواب زيادة على نوابك الخمسة عشر، أو عشرة نواب؟ والنواب المسيحيون الـ64 كيف ستجمع منهم أكثرية؟ وهذا على فرض سماح زعيم «الحزب» ومشايعيه بانتخابات أصلاً! ثم ماذا لو تحالفْتَ (وهو بعيد) مع صديقك السابق سعد الحريري، أو مع «الثوار» الذين همُّهم الآن بعد أن نسوا سلاح «الحزب»: إسقاط حكم المصرف المتصدع أصلاً؟! ثم ماذا، رغم كل شيء، لو فاز تحالفكم المعارض، ما هناك أسهل من إقفال مجلس النواب هذه المرة إلى الأبد؟!
بالطبع؛ أنت على حق، في أن الحزب والعونيين الحاكمين حالياً لن يسمحوا بقيام حكومة صالحة، ستكون أولى مهامها، إذا كانت كذلك، كشف فسادهم، واستيلائهم على وزارات الدولة ومرافقها وحدودها وماليتها.
يبدأ الحلُّ حقاً باستقالة رئيس الجمهورية أو إقالته، ولا يستطيع ذلك غير المسيحيين.
لا بد من الخلاص من هذه العقدة وهذا الوهم، أن الرئيس المسيحي لا يصح التعرض له أو ينهار النظام.
لقد استقال الرئيس بشارة الخوري، بطل الاستقلال، ولم يحدث للنظام شيء. الرئيس الحالي هو الذي أعطى لـ«الحزب» الزمام، وهو الذي صدّع الشرعية اللبنانية والعيش المشترك. وخلال عام ونصف استقال أو اعتذر ثلاثة رؤساء للحكومة، وما اعتبرنا، نحن أهل السنة، أن رئاسة الحكومة في خطر.
لقد تعاطف البعض مع حسّان دياب لأنهم عدّوه ضحية مسكيناً لا يستحق الاتهام بجريمة المرفأ.
وأنا أرى أنهم بالغوا، إنما هذا هو الذي حصل! استقالة الجنرال هي التي تضرب «الحزب» وباسيل في الصميم، بل وهي التي تجعل الانتخابات الحقيقية ممكنة. وما أزعمه هو رأي عقلاء اللبنانيين والعرب والدوليين. بالله عليك يا دكتور جعجع ألا ترى هذا الاستخفاف بالدستور، من جانب الرئيس وزعانفه؟ فحتى الزعيم ما بلغ مبلغه قولاً، وإن كان قد تفوق عليه بالطبع عملاً. هل قال الجنرال شيئاً عن الاغتيالات، وعن احتلال بيروت، وعن إسقاط الحكومة المنتخبة، وعن إلغاء الحدود، والقتال في سوريا؟ ثم ألم يعط «الحزب» حقَّ شهر سلاحه إلى «نهاية أزمة الشرق الأوسط»، وحقَّ مكافحة الإرهاب (السني)، ثم تسابق معه على ترسيم الحدود مع إسرائيل؟ إضافة إلى تجاهل الجريمة الكبرى في اغتيال مرفأ بيروت، وإلقائها على ظهر حسان دياب والآخرين؟!
إن الذي أخشاه أن يعمد الجنرال قبل نهاية مدته، ومع «الحزب»، إلى تغيير الدستور أيضاً وإقامة الجمهورية الجديدة؛ ونكاية بالبطريرك والمسيحيين!
إذا أردنا أن يبقى الدستور، ويبقى النظام، فلا بد من المضي باتجاه استقالة الجنرال أو إقالته!