علي المزيد
كاتب وصحفي سعودي في المجال الاقتصادي لأكثر من 35 عاما تنوعت خبراته في الصحافة الاقتصادية وأسواق المال. ساهم في تأسيس وإدارة صحف محلية واسعة الانتشار والمشاركة في تقديم برامج اقتصادية في الإذاعة السعودية، ومدير التحرير السابق لصحيفة الشرق الأوسط في السعودية وهو خريج جامعة الملك سعود.
TT

سعر وهمي

كتبت وأُكرر لأكثر من مرة أن مضاربي أسواق الأسهم في أي مكان في العالم هم عصب السوق وروحه، بل هم من يخلقون التسعيرة، فالمستثمرون مهما بلغت استثماراتهم، حتى ولو كانت مليارات الريالات أو الدولارات، فإنهم سيشترون ما يُريدون ويخرجون من السوق، بينما المضاربون يعيدون تدوير أموالهم يوماً تلو الآخر مما يخلق التسعيرة، ويبث الحياة في السوق، وهو أمر مشروع، ولا خلاف عليه، بل إنه أمر مطلوب لخلق التسعيرة، ولأنهم ركنٌ من أركان السوق.
الأمر غير المشروع هو أن يتفق عدد من المضاربين، اثنان أو أكثر، على رفع سعر سهم شركة معينة، وهو لا يستحق، ويستغلون بذلك صغر رأس مال الشركة وتواضع عدد أسهمها بغض النظر عن نتائج الشركة المالية، سواء كانت رابحة أو خاسرة، فيقومون بالاتفاق على رفع سعر السهم بينهم، فيقومون بتدعيم طلبات الشراء بكميات كبيرة، ثم يقوم أحدهم بشراء المعروض من الأسهم، فيتم تدعيم طلبات الشراء على السعر الجديد مرة أخرى، ويقوم مضارب آخر بشراء عروض المضارب الأول، وهكذا تتم العملية التبادلية حتى يرتفع السهم، وتتم المقاصة بينهم ليلاً في فروقات الأسعار أو بنهاية عملية المضاربة.
بعد ذلك يقوم المضاربون بإخبار صغار المتعاملين في السوق أن سعر الشركة (س) سيكون هدفه 100 ريال (26.6 دولار أميركي) مرتفعاً من 30 ريالاً مثلاً (8 دولارات أميركية) في البداية لا يصدق صغار المتعاملين ذلك، ولكن مع انتشار الخبر عبر ما يسمى بالشبكات الساقطة، فمثلاً واحد من كبار المضاربين يخبر عشرة من صغار المتعاملين، العشرة يقومون بإخبار 100، وهكذا دواليك.
يشاهد المتعاملون ارتفاع السهم من 30 ريالاً (8 دولارات أميركية) إلى 60 ريالاً (16 دولاراً أميركياً) فيبدأون بالدخول في السهم، ومع ارتفاع السهم يبدأ كبار المضاربين بالتخلي عن كميات أسهمهم تدريجياً، حتى لا يؤثروا على سعر السهم، فيقع في المصيدة صغار متعاملي السوق بعد أن خلق كبار المتعاملين سعراً وهمياً للسهم، وذلك حسب اتفاقهم الذي ذكرناه في أعلى المقال، وبوقوع معظم صغار المساهمين في الفخ، فإن كثيراً منهم يخرجون من السوق، وهذا يمثل خسارة حقيقية للسوق.
لذلك تسعى الجهات المشرفة في أي سوق لتتبع هؤلاء المخالفين حتى لا يخدعوا غيرهم، وهدف الجهات المشرفة على الأسواق هو رفع كفاءة السوق عبر عكس سعر حقيقي للأسهم قائم على التحليل المالي، لا على أهواء المضاربين وأمزجتهم، وقد أعلنت هيئة سوق المال السعودية، الأربعاء الماضي، إحالة 11 مشتبهاً بهم بالتلاعب في شركتي «أنعام» و«الكثير القابضة»، بالطبع لا يزال الأمر اشتباهاً، ولكنني واثق من أن هيئة سوق المال السعودية لم تحيلهم إلى النيابة إلا ولديها مستندات دامغة لإدانة هؤلاء المشتبه بهم قد تصل نسبة يقينها إلى 90 في المائة. بالطبع هناك ضحايا تأثروا من خلق كبار المضاربين هذا السعر الوهمي، وتضرروا جراء هذه العملية، هؤلاء عليهم أن يتقدموا بشكوى لهيئة سوق المال السعودية التي ستحيلهم إلى لجنة مختصة تفصل في شكواهم.
أسواقنا العربية، بصفة عامة، أسواق ناشئة، ومواطننا العربي حديث عهد بهذه الأسواق، وقد ينساق وراء المضاربين نتيجة قلة خبرته، فواجب الهيئات المالية نشر الوعي لدى المتعاملين بخطورة المضاربة، وأهمية الاستثمار، مع تشديد العقوبات على كل المخالفين لأنظمة الأسواق العربية حتى لا يخرج صغار المتعاملين الذين نعتبرهم وقود السوق. ودمتم.