د. محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

عندما تضل الموهبة طريقها

لم يدرك الأميركيون الذين تندروا بعنصرية على الطالب الصيني «تشيان» عام 1935 بأنه سوف يساعد بلادهم في الوصول إلى كوكب القمر. فبعدما جاء هذا الموهوب من الصين في بعثة دراسية نادرة من نوعها قبله معهد MIT العريق في بوسطن، ثم انتقل إلى موهوب آخر من المهاجرين المجريين في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، حيث شكل مع رفاقه محاولات جادة في علم الصواريخ. وأعد بحثاً مهماً عن نظام الدفع الصاروخي.
وقد خصصت شنغهاي لهذا البطل القومي متحفاً كاملاً يضم سبعين ألف قطعة «لمعلم الشعب» كما يلقبونه. وصار «تشيان شويسن» الأب الروحي لبرنامج الصواريخ والفضاء الصيني، وكانت جهوده وراء إطلاق أول قمر صناعي صيني، وفق «بي بي سي». أما والده فكان «مثقفاً جداً... وأسس نظام التعليم الوطني في الصين» بعد العمل في اليابان «كوافد»، كما يسميه العرب. الموهوبون كثر في العالم، لكن النبرة العنصرية تزدري الأجنبي وتتناسى أن أمامها خيار التعلم منه لرفعة أمتها.
وكان يظن في السابق أن الموهوب هو من يحصل على مؤشر ذكاء مرتفع IQ، ثم تبين للباحثين أن هذا ليس سبباً وحيداً. فالموهوبون هم من يتحلون بصفات مرتبطة بالإبداع، والدافعية والحكمة والخلق والفضيلة والقدرة الجسمية، حسبما أشار تقرير المنظمة العربية للتربية والثقافة والفنون ومؤسسة الملك عبد العزيز ورجاله للموهبة والإبداع. والموهوب من لديه الاستعداد الفطري للإنجاز الكبير بحكم مهاراته الذاتية أو تلك التي أسهمت البيئة المحيطة في صقلها.
وتختلف الدول المتقدمة في طريقة قياس الموهوبين لكنها مبنية على أسس علمية. وفي العلوم الإنسانية ليست هناك إجابة واحدة بل نظريات وجيهة تتصارع في ميادين العلم. ولهذا استندت اليابان إلى المدارس الشاملة وكذلك بريطانيا، فضلاً عن الدخول المبكر للمدرسة، والاختبار الوطني لتشخيص الموهوبين. وتنقب ألمانيا عن الموهوبين وترعاهم من خلال مدارس الصفوة، والصفوف السريعة، والمعاهد المهنية حتى أضحت البلاد أيقونة عالمية «للماكينة» ذات الجودة العالية التي يقف وراءها موهوبون. في حين ترعى سويسرا الموهوبين من خلال جمعيات أسر الأطفال وتدريب المعلمين.
الموهوب طاقة فكرية فطرية غير عادية يتحلى بها المرء، وتجعله يسبق أقرانه بأشواط عديدة. ولديهم مقدرة مذهلة على حل مشكلة مستعصية. والموهوب من لا يختلف اثنان على نبوغه وقدراته الفكرية. واللافت أن هناك موهوبين لكن تحصيلهم العلمي متدنٍ. وقد يكون تدنيه عائداً لعوامل اجتماعية أو جسمية أو تربوية. ومن الموهوبين من يعانون من تخلف عقلي، كما يشير تقرير المنظمة. ولهذا لا يجب الاستهانة بأي فرد بدت عليه علامات الموهبة.
عندما نهمل موهوباً واحداً فإننا نوئد مشروعاً قومياً وإنسانياً واعداً. ولنا في الكندي، وابن حيان، وابن سينا، والخوارزمي خير مثال. ولولا ابن الهيثم، أول من شرح العين وقدم العدسات، لما وجدت نظارة أكتب بها مقالي هذا.