د. جبريل العبيدي
كاتب وباحث أكاديمي ليبي. أستاذ مشارك في جامعة بنغازي الليبية. مهتم بالكتابة في القضايا العربية والإسلامية، وكتب في الشأن السياسي الليبي والعربي في صحف عربية ومحلية؛ منها: جريدة «العرب» و«القدس العربي» و«الشرق الأوسط» اللندنية. صدرت له مجموعة كتب؛ منها: «رؤية الثورات العربية» عن «الدار المصرية اللبنانية»، و«الحقيقة المغيبة عن وزارة الثقافة الليبية»، و«ليبيا بين الفشل وأمل النهوض». وله مجموعة قصصية صدرت تحت عنوان «معاناة خديج»، وأخرى باسم «أيام دقيانوس».
TT

السنوات العشر العجاف... عربياً

ماذا تحقق من أهداف «ثورات الربيع» العربي (عيش، حرية، عدالة اجتماعية) بعد عشر سنوات عجاف مرّت على بلدان ذلك «الربيع»، تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن؟
بعد مرور عشر سنوات لم يتحقق شيء فيها؛ لا نهضة اقتصادية ولا حرية ولا ديمقراطية ولا استقرار سياسي، بل تشظّت الحكومة والبرلمان في البلد الواحد وأصبحا ثلاثاً، كما هو الحال في ليبيا، التي لم تتمكن من حماية رغيف الخبز من غلاء المعيشة وانهيار قيمة الدينار، في ظل فسادٍ ونهبٍ لأموال الدولة غير مسبوق، خصوصاً في بلدي النفط ليبيا والعراق، وانحدار اقتصادي في تونس واليمن وسوريا، وبقيت أحلام «الثورة والثوار» تراوح مكانها طيلة السنوات العشر الماضية.
مؤامرة الفوضى الكبرى التي كان ظاهرها إسقاط أنظمة ديكتاتورية مستبدة، وحقيقتها إسقاط دول مستقرة بمؤسساتها وجيوشها وإحداث فوضى عارمة كما رسمتها ووصفتها كوندوليزا رايس، هدفها إعادة رسم خريطة المنطقة بالشكل الذي ترغبه القوى الكبرى وحسب مصالحها.
منذ بداية «الربيع» العربي أشعل النار بجسده البائع المتجول محمد البوعزيزي، بعد منازعة وملاسنة لفظية مع شرطية تونسية كانت قد منعته من البيع من دون ترخيص، وفق روايتها، مما دفعها لصفعه على وجهه، لتنطلق موجة الغضب بشكل عارم في بلدان «الربيع» العربي، تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن، مطالبةً بإسقاط النظام والحرية تحت شعار مشترك «الشعب يريد إسقاط النظام»، فسقط الديكتاتور والطاغية في كل بلد، وظهر طغاة وديكتاتوريات جديدة أبشع من سابقاتها الفردية، وضاع الحلم العربي بالحرية والعيش الرغيد، بل تحولت شعوب بلدان الربيع العربي بين نازح ومهجّر ولاجئ، تتقاذف خيام إيوائهم الرياح والمطر، وتنهش أجسادهم الغارقة أسماك القرش لمن حاول عبور البحر مهاجراً في قوارب الموت فراراً من سطوة الميليشيات.
فالحرية التي طالب بها من خرج في ساحات «الربيع» العربي هاتفاً «الشعب يريد إسقاط النظام»، مطالباً بحرّية لم يَخْبرها، ظهر أنها أصبحت إشكالية وخللاً، بل فوضى في مفهوم الحرية، فللحرية مفهوم قد يجهله البعض في أثناء ممارسته لها وشعوره بها، فنَهَجَ البعض سلوكيات خاطئة، ظناً منه أنها الحرية.
خزينة جماعات الإسلام السياسي دعمت فوضى «الربيع» العربي، مما مكّنها من الاستمرار والتسبّب في زعزعة الاستقرار في العالم من العراق وسوريا إلى ليبيا، وتنامى دور المموِّل والحاضن للإرهاب، وتنامى معه الأتباع والذيول، حيث تم صرف 6 مليارات دولار على الميليشيات الليبية لتوطين الفوضى.
فوضى الربيع العربي ما كان لها أن تستمر إلا بالتمويل الخارجي لتنظيم الإخوان.
في عام 2011 تم إرسال أكثر من 20 طناً من الأسلحة إلى الميليشيات المسلحة في ليبيا، وأكثر من 18 طائرة لنقل بنادق ومنصات صواريخ وأسلحة خفيفة وسيارات عسكرية والزي العسكري، إضافة إلى الخبراء العسكريين الذين ساعدوا المسلحين المتطرفين على تأسيس مراكز قيادة في بنغازي أيام سيطرة الإخوان على المجلس الانتقالي وحكومة «الثوار».
«ثورات وثوار» الربيع العربي والحالمون منهم بالحرية والدولة المدنية والتداول السلمي على السلطة، امتطت أحلامهم «وثوراتهم» جماعات الإسلام السياسي، وحوّلتها إلى مشروع أخونة للأنظمة العربية المتساقطة في تونس ومصر وليبيا.
واليوم بعد مرور عشر سنوات عجاف على الربيع العربي، لا تزال سيدي بوزيد، مهد ثورة «الياسمين» التونسية، تواجه الفقر والبطالة بين الشباب، ولا تزال أحلام الثورة والثوار بالديمقراطية والتخلص من الديكتاتورية والطغاة تراوح مكانها من دون أن تتقدم قيد أنملة.