تيريز رافائيل
TT

الشفافية الكاملة طريقنا للقضاء على الوباء

تخطط «المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية منها» لإرسال نصوص يومية لأولئك الذين تم تطعيمهم للأسبوع الأول ثم إرسال نصوص أسبوعية لمدة 6 أسابيع، وستواصل «إدارة الغذاء والدواء» أيضاً مراقبة الآثار الجانبية في توقيت متزامن.
ومن غير الواضح ما إذا كان نظام المراقبة في المملكة المتحدة سوف يتمتع بقدرات مماثلة بحلول وقت ظهور اللقاح. فقد أصدرت «وكالة تنظيم الأدوية ومنتجات الرعاية الصحية» في البلاد إشعاراً في هذا الشأن (تم تسجيله في الشهر الماضي في مجلة المشتريات العامة للاتحاد الأوروبي) لعمل برمجية للذكاء الصناعي للمساعدة في التعامل مع الحجم الكبير المتوقع من التأثيرات الجانبية المبلغ عنها.
لم تفلح الوكالة في تفسير الأسباب التي دعت إلى هذا العمل الملحّ؛ ذلك أن نظامها القديم سوف يطغى عليه حجم التقارير، ولن يمكن تحديثه حتى يتمكن من التكيف مع اللقاح الجديد. وغياب أداة جديدة من شأنه أن «يعوق قدرتها على التحديد السريع لأي قضايا محتملة تتعلق بالسلامة بشأن لقاح (كوفيد - 19)». وهذا بدوره يمثل «تهديداً مباشراً لحياة المرضى وللصحة العامة».
وحتى لو كانت هذه اللغة قد صيغت جزئياً لإعفائها من متطلبات الاتحاد الأوروبي المعتادة، فإنها تؤكد ما هو على المحك بالنسبة للحكومات في مختلف أنحاء العالم مع إطلاق هذه اللقاحات الجديدة بسرعة غير مسبوقة على جمهور أكبر من أي وقت مضى. وكما هو الحال مع أي عقار جديد، فإن نطاق ردود الفعل السلبية هذه ـ غير المقصودة، والأحداث الضارة المرتبطة بالدواء ـ لن يكون معروفاً إلا بعد تطعيم عدد كبير للغاية من الناس.
ولا يعني التأثير السلبي الذي يتم الإبلاغ عنه أن اللقاح ليس آمناً، وفي بعض الحالات قد لا تكون الأعراض مرتبطة بالتطعيم على الإطلاق. ولكن التفاعلات المعاكسة للأدوية تساعد الأطباء وشركات الأدوية والهيئات التنظيمية على مراقبة تأثير العقاقير المرخصة. فهم قادرون على التعرف على إساءة استخدام عقار ما، أو الدفعات المعرضة للخطر، أو التأثيرات الجانبية التي لا بد من الكشف عنها حتى ولو لم تغير من مواصفات السلامة.
ومن الأهمية بمكان مراقبة عمل العقار بدقة في ظل محدودية متابعة عناصر الأمان على نطاق ضيق مقارنة بالمتابعة المعتادة لغيره من العقاقير المستخدمة على نطاق واسع. إن وجود نظام قوي لتسجيل وتحليل والسماح بملاحظات فورية من الآثار الجانبية المبلغ عنها أمر ضروري لضمان السلامة العامة. وإذا اقترن ذلك بعنصر التواصل، فسوف يعزز ذلك من بناء الثقة في اللقاحات الجديدة.
بشكل عام، تظهر معظم الآثار الجانبية بعد الحقن بفترة قصيرة، وسوف تقوم شريحة محدودة من الناس بتجربته مقارنة بالتجارب التي جرت على أي لقاح معروف، أو حتى بتجارب الناس المعتادة لمسكنات الألم. إن أغلب الناس على استعداد لتقبل هذا المستوى الصغير من المخاطر لتحقيق فوائد هائلة ـ لأطفالهم ولصحتهم العامة عموماً - من برامج التطعيم.
وقد يتلقَّى نظام البطاقة الصفراء في المملكة المتحدة تقريراً واحداً عن كل ألف تحصين. ولكن إذا قمت بزيادة عدد الأشخاص الذين يتم تطعيمهم بدرجة كبيرة، فمن المتوقع أن تتزايد التأثيرات المبلغ عنها بشكل متناسب. ومع توقع أن تذهب لقاحات «كوفيد» إلى الأكبر سناً والأكثر عرضة أوّلاً، فستكون البلاغات عن الآثار الدوائية الضارة أكثر من المعتاد. وحتى لو لم تكن هذه الآثار الدوائية الضارة مرتبطة بالعقار، فإنها قد تتسبب في إصابة عامة الناس بالتشنجات.
والواقع أن البلاغات عن حدوث أعراض جانبية ستكون على هوى معارضي التطعيمات. فالتشكك في جدوى التطعيم في المملكة المتحدة أكبر منه في الولايات المتحدة. ففي دراسة استقصائية أجرتها «لجنة الصحة» التابعة لجمعية لندن مؤخراً، قال 3 فقط من كل 5 مستجيبين إنهم من المرجح أو من المؤكد أنهم سوف يحصلون على التطعيم؛ فيما أفاد نصف الذين أفادوا بأنهم لن يستخدموا العقار والسبب يرجع لعدم ثقتهم في التوجيه الحكومي أو في شركات الأدوية.
لا يمكن الجزم بأن مثل هذه المخاوف ليست عقلانية بالمرة، فإذا كانت اللقاحات تحتاج تقليدياً إلى 10 سنوات للحصول على الموافقة، فإن الناس يتساءلون كيف يمكننا أن نثق بسلامة اللقاحات المنتجة في وقت قصير كهذا.
من بين الإجابات عن هذا التساؤل أنه في المعركة ضد «كوفيد» لم يجر ادخار أي جهد أو شجاعة أو مورد، وقد أتت هذه المنافسة العالمية الشديدة بثمار باهرة. وبحسب زميلي ماكس نيسين، فقد تقدمت التكنولوجيا بسرعة كبيرة إلى الحد الذي يجعل الجداول الزمنية الماضية دليلاً لا يمكن الاستناد إليه. إن ما يسمى تكنولوجيا «الحمض النووي الريبوزي الناقل»، أو messenger RNA» التي تستخدمها الشركتان المرشحتان الرائدتان في مجال التطعيم: «مودرنا» و«بيونتك»، وكذلك الشراكة بين شركتي «فايزر» و«بيونتك» قد أحدثت ثورة بالفعل في تطوير اللقاح. ومع وضع كل هذا في الاعتبار، فمن الأهمية بمكان أن تحرص الحكومات على تثقيف عامة الناس حول ما قد يتوقعونه. ويبدو أن ملاحظات الأثر الجانبي لا تشكل أي مجال للقلق حتى الآن. ومع ذلك فقد تكون هذه اللقاحات التجريبية أشد قسوة بعض الشيء من لقاحات الإنفلونزا التي شكلت تجاربها النقطة المرجعية الوحيدة لدى غالبيتنا. وإذا كان الناس يعرفون ما ينبغي لهم أن يتوقعوه، فإن هذا من شأنه أن يقلل من احتمالات انزعاجهم أو إغراق خطوط الهاتف الساخنة بالاستفسارات.
وقد تكون هذه هي معجزات العصر الحديث، لكن اللقاحات لا تنقذ الأرواح، بل حملات التلقيح. ومع اللقاحات التي من المتوقع أن تغطي ما قد يصل إلى ثلث السكان بحلول الشهور الأولى من العام المقبل، فإن المراقبة الفعّالة والشفافية الكاملة سوف تشكل ضرورة أساسية إذا كان لنا أن نهزم ليس فقط هذا الوباء، بل الوباء القادم أيضاً.

- بالاتفاق مع «بلومبرغ»