جيمس ستافريديس
- أميرال بحري متقاعد بالبحرية الأميركية وقائد عسكري سابق لحلف الناتو وعميد كلية فليتشر للحقوق والدبلوماسية بجامعة تافتس < بالاتفاق مع «بلومبيرغ»
TT

روسيا وأميركا بحاجة إلى استراحة بخصوص الأسلحة النووية

لم يسبق لي قط الجلوس والتفاوض بخصوص اتفاق حول الأسلحة النووية؛ لكنني قضيت كثيراً من حياتي العسكرية في العمل على تنفيذ قرارات جرى اتخاذها على هذه الطاولات. ومع اقتراب موعد انتهاء سريان اتفاق تاريخي بين الولايات المتحدة وروسيا في غضون شهور قليلة، فإن هذا الأمر يكتسب اليوم إلحاحية أكبر.
وتضمنت وظيفتي الأولى في الأسطول، أثناء ذروة الحرب الباردة، إدارة الصواريخ ذات الرؤوس النووية المضادة للغواصات الموجودة على متن مدمرة من الأسطول الأميركي في المحيط الهادي. ومن خلال عملي، تمكنت من معاينة القوة المدمرة الهائلة لهذه الأسلحة النووية التكتيكية، والتي كانت تقع تحت السيطرة المباشرة لكابتن في أواخر الثلاثينات من عمره، والتداعيات المزعزعة للاستقرار التي يمكن لمثل هذه المنظومات إحداثها.
وترتفع المخاطر بدرجة بالغة عندما يتعلق الأمر بالمفاوضات التي تتضمن الاستخدام المحتمل للأسلحة النووية الاستراتيجية، مثل تلك المتعلقة بالصواريخ الباليستية العابرة للقارات، والتي تحمل في طياتها إمكانية تدمير الحضارة بالصورة التي نعرفها.
وخلال آخر وظيفة عسكرية لي، قائداً أعلى لقوات التحالف في حلف «الناتو»، كثيراً ما جادلت مسؤولين روساً رفيعي المستوى بحماس، حول أن منظومة صواريخ «إيجيس» الأميركية في شرق أوروبا - التي تهدف بشكل أساسي صد أي هجوم إيراني ضد القارة - لا يمكن أن تشكل تهديداً على قوتهم النووية الاستراتيجية. وكان ذلك جدلاً بيننا سار في شكل دوائر مستمرة دونما نهاية.
الحقيقة البسيطة أن كلا الجانبين لديهما مصلحة حيوية وراء تقليص أعداد الأسلحة النووية الاستراتيجية، وكذلك التحرك بعيداً عن الأسلحة التكتيكية، والأسلحة الأقل قوة المصممة من أجل الاستخدام داخل ميادين القتال.
الآن، تخوض الولايات المتحدة وروسيا ما تبدو وكأنها رقصة تفاوضية معقدة، حول استبدال معاهدة الحد من الأسلحة الاستراتيجية الجديدة قبل انتهاء فترة سريانها في فبراير (شباط) المقبل. ومن أجل العالم بأسره، يتعين على واشنطن وموسكو الاتفاق على هذا الأمر.
وحال انتهاء فترة سريان القيود القائمة حالياً، فإن الوضع قد يصبح خطيراً. الواضح، أن أياً من الجانبين يمكنه الشروع على الفور في بناء مزيد من منظومات الأسلحة القائمة، ليخرق بذلك القيود التي جرى التفاوض حولها بدأب من قبل صديقتي السفيرة روز غوتنمولر، النائبة السابقة للأمين العام لـ«الناتو».
جدير بالذكر أن هذه القيود السارية حالياً لا تسمح بترسانة أسلحة نووية استراتيجية تفوق 1550 رأساً حربياً يجري نشرها، و700 صاروخ وقاذفة ثقيلة لحملها. (بإمكان الجانبين تخزين مزيد من الرؤوس الحربية في المخازن).
من ناحيتهما، تملك روسيا والولايات المتحدة القدرة على إنتاج مزيد من المنظومات المتقدمة، والتي ستكون جميعها قادرة على زعزعة الاستقرار على نحو بالغ. ومن شأن الإخفاق في تمديد سريان معاهدة «ستارت الجديدة» الإسهام في المضي قدماً نحو «حرب باردة» جديدة لا داعي لها. كما أن هذا سيقلص المسافة بيننا وبين منتصف الليل في «ساعة يوم القيامة» التي تقوم عليها «نشرة علماء الذرة».
في الواقع، تمديد أجل المعاهدة في صورتها الراهنة لمدة ثلاث سنوات أخرى سيشكل بداية طيبة، بجانب الحصول على تعهد من كل جانب بإعادة التفاوض من جديد نهاية الأمر. ومن شأن هذا الإنجاز توفير متسع من الوقت لتجنب انطلاق حملة محمومة نحو تطوير وتحديث الترسانات النووية. بجانب ذلك، سيكون ذلك بمثابة إشارة على أن القوتين النوويتين العظميين باستطاعتهما الاتفاق على مبدأ التفاوض.
من جهتها، عرضت روسيا الآن تمديداً للوضع الراهن للأسلحة الاستراتيجية لمدة عام واحد، بينما تفضل إدارة دونالد ترمب فترة أطول تصل إلى خمس سنوات، جنباً إلى جنب مع عدد من الشروط المسبقة، مثل إضافة قيود على الأسلحة النووية التكتيكية؛ بل وحتى الإصرار على مشاركة الصين في أي اتفاق من هذا النوع. (تملك الصين عدداً صغيراً نسبياً من الصواريخ النووية العابرة للقارات، ربما 300).
بوجه عام، تبدو أهداف الإدارة مفرطة في الطموح في الوقت الراهن - خصوصاً بالنظر إلى أن ترمب قد لا يكون في منصبه خلال ثلاثة أشهر - لذلك سيكون من الحكمة قبول العرض الروسي.
في النهاية، ينبغي أن تسعى واشنطن إلى اتفاقية تتضمن - على نحو أساسي - قيوداً أكثر صرامة على الرؤوس الحربية على متن الصواريخ الباليستية العابرة للقارات التي يمكن أن تصل إلى شواطئ بعضها بعضاً. إضافة إلى ذلك، هناك منظومات جديدة تدخل حيز التنفيذ - خصوصاً طوربيدات تعمل بالطاقة النووية برؤوس حربية نووية استراتيجية، ونسخ تعزيز الانزلاق، وفائقة السرعة، من الصواريخ الباليستية العابرة للقارات - ستتطلب أنماطاً جديدة من القيود وأنظمة التفتيش المحتملة.
يتمثل عنصر آخر واضح في الحد من التقدم التكنولوجي لصواريخ «كروز» التي تعمل بالطاقة النووية والتي يمكنها – نظرياً - الطيران حول العالم قبل ضرب أهدافها. بالإضافة إلى ذلك، ربما يمكن نشر أسلحة تعزيز الانزلاق الجديدة على القاذفات البعيدة المدى والغواصات النووية، وهي قدرات يجب طرحها على طاولة التفاوض.
وإذا افترضنا أنه يمكن تسوية كل هذه القضايا، فإن ذلك كله لا يغطي سوى القوى الاستراتيجية. في الوقت ذاته، ثمة حاجة بالقدر ذاته من الإلحاح لإقرار بعض القيود الفعالة على الأسلحة النووية التكتيكية. في الواقع، تملك المنظومات التكتيكية البعيدة المدى في البحر (سواء على متن السفن السطحية، مثل مدمرتي القديمة، أو غواصات الهجوم أو الصواريخ الباليستية) القدرة على زعزعة الاستقرار على نحو بالغ، هذا لأنه من المستحيل على العدو تحديد ما إذا كان السلاح المنطلق من سطح السفينة أو من تحت سطح البحر، سلاحاً نووياً استراتيجياً أو تكتيكياً، أو حتى صاروخ «كروز» يحمل أسلحة تقليدية مثل «توماهوك».
وأخيراً، فإنه مثلما قال الرئيس الأسبق رونالد ريغان: «ثق بالآخرين؛ لكن تحقق منهم». وعليه، فإن جميع التعديلات والقيود واتفاقيات النشر التي تنبثق عن ميثاق جديد منظومات تفتيش مصاحبة. وربما حان الوقت لكي تنتقل الدولتان جزئياً على الأقل إلى مفهوم التحقق من قبل طرف ثالث، على الرغم من أن كلا الجانبين سيقاومان ذلك لأنهما سيشعران بالريبة إزاء دوافع المفتشين وحيادهم. ولكن قد يكون من المفيد استكشاف فكرة ما إذا كانت إحدى وكالات الأمم المتحدة التي تشرف على الضوابط الدولية للأسلحة، مثل مكتب شؤون نزع السلاح، يمكن أن تؤدي هذا الدور.
بناءً على خبرتي الخاصة على مدى عقود من المشاركة في أنظمة التفتيش، أرى بشكل عام أنها غير كاملة، ولكنها بالتأكيد أفضل من البدائل. والآن: هل يجب أن تضغط الولايات المتحدة من أجل عمليات تفتيش أشد صرامة مما كانت عليه في الماضي؟ بالطبع بكل تأكيد؛ لكن لا يمكن لواشنطن أن تجعل ذلك بمثابة شرط استباقي بمقدوره إنهاء كل شيء حال عدم الاتفاق عليه.
المؤكد، أن كل جانب سيجد حججاً لإبطاء المفاوضات أو حتى إيقافها على أمل الضغط على الآخر لتقديم تنازلات. وقد تصر إدارة ترمب الثانية أو إدارة جو بايدن على جعل الصين طرفاً ثالثاً؛ لكن هذا ببساطة لن يحدث. وبالمثل، فإن هوس روسيا غير المبرر بدفاعات الصواريخ الباليستية والأنظمة الأميركية المضادة للصواريخ في أوروبا الشرقية سيشكل عقبة أخرى.
ويخلق كل ذلك قائمة طويلة من القضايا الصعبة التي يتعين الاتفاق عليها من أجل منح معاهدة «ستارت» روحاً جديدة. ومن مصلحة الولايات المتحدة الموافقة على تمديد سريان المعاهدة الراهنة لمدة عام واحد على الأقل للاستمرار في المحادثات، بغض النظر عن الحزب الذي سينتهي به الحال داخل البيت الأبيض.

- بالاتفاق مع «بلومبرغ»