ليونيل لورانت
كاتب من خدمة «بلومبيرغ»
TT

كبح جماح «بريكست»... العقبات لا تزال كبيرة

ارتفعت معنويات التفاؤل بشأن صفقة البريكست البريطاني مع استئناف المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي المحادثات التجارية بعد تداعيات درامية كبيرة خلال الفترة الماضية، مع وعود بزيادة الوتيرة وتكثيف المفاوضات بغرض صياغة مسودة الاتفاق بحلول الشهر المقبل. وصرح ميشيل بارنييه كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي في الأسبوع الماضي قائلاً إن الاتفاق بات في متناول اليد، الأمر الذي أسفر عن ارتفاع قيمة الجنيه الإسترليني إلى أعلى مستوى مسجل له مقابل الدولار الأميركي منذ شهر أغسطس (آب) من العام الحالي.
ويعتبر المزاج العام جيداً للغاية، غير أن الواقع الحقيقي مفعم بكثير من التعقيد. وما سوف تضمه أي اتفاقية بين الجانبين ما يزال يكتنفه كثير من الغموض إلى حد ما، ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلى أن أكبر العقبات على الطريق لم يتم التغلب عليها بعد، وهي عقبات سياسية ومعنوية للغاية في المقام الأول.
ومن الأمور الخاضعة للجدل حتى الآن مقدار مكونات السيارات التي يمكن الحصول عليها من الخارج حتى يمكن وصفها بأنها أوروبية من أجل أغراض التعريفة الجمركية. وهناك أمر مهم آخر يتمثل في جعل الطرفين يتفقان على قواعد جديدة تماماً لإعانات الشركات والمعايير الاجتماعية والبيئية بعد 40 عاماً كاملة من التجارة الحرة. وما يراه الجانب البريطاني أنه حق سيادي خالص لما بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي (يتمثل في أقصى وصول إلى أسواق الاتحاد الأوروبي، والحد الأدنى من الرقابة التنظيمية) يعتبره الاتحاد الأوروبي من جانبه يشكل تهديداً تنافسياً وجودياً. حتى المسائل الاقتصادية الصغيرة مثل حصص صيد الأسماك باتت تشكل قضايا سياسية كبيرة ومعقدة بالنسبة لكلا الجانبين. وفي حين أن التنازلات مهمة للغاية في هذا المضمار (تشير وكالة رويترز الإخبارية إلى قرب التوصل إلى تسوية بشأن مصايد الأسماك) فإنها عصية للغاية على التحقق على أرض الواقع.
وللوقوف على مدى ضآلة التقدم المحرز حتى الآن على صعيد المفاوضات، عليك النظر إلى السياسات البرلمانية. حتى في الوقت الذي يتحدث فيه التكنوقراط عن الحواجز الجمركية والحصص التجارية، فإن هناك مشروع قانون في طريقه إلى برلمان المملكة المتحدة يهدف إلى تمزيق اتفاقية الانسحاب البريطاني الموقعة مع الاتحاد الأوروبي خلال العام الماضي. ولقد أثار مشروع القانون الجديد حالة من الاستياء البالغة لدى مجلس اللوردات البريطاني، ولدى البرلمان الأسكوتلندي، كما أشعل سجالاً قانونياً من جانب الاتحاد الأوروبي نفسه. وإذا ما أصبح قانوناً معترفاً به، فمن شأنه أن يقضي على جميع الفرص السانحة لإبرام الاتفاق التجاري بين الجانبين. وفي حين يصفه البعض بأنه مجرد تكتيك تفاوضي محض، فإنه يبدو منه الانسجام مع حالة التردد التي تعتري بوريس جونسون رئيس الوزراء بشأن نوع الصفقة – إن وجدت – التي يمكن أن يسوقها إلى قاعدته الانتخابية المحلية الداعمة له.
وفي بروكسل من جهة أخرى، يقوم برلمان الاتحاد الأوروبي بمناوراته الصارمة. فلقد تبنى البرلمان الأوروبي في يونيو (حزيران) الماضي تقريراً حول الخروج البريطاني، مع مطالبات «قوية للغاية» على مستوى متكافئ بشأن معايير الرقابة التنظيمية وإعانات الشركات. ولقد هدد البرلمان الأوروبي برفض أي معاهدة لا تحترم النقطة الأخيرة السالفة الذكر. ولقد أبلغني كريستوف هانسن – من الحزب الديمقراطي المسيحي من لوكسمبورغ، ويتخذ مكانه ضمن كتلة يمين الوسط السياسية مثالاً بالمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل – قائلاً: «لن نقوم بالتصديق على أي اتفاق مهما كلف الأمر». (ونحن لا نعرف على وجه اليقين حتى الآن ما إذا كان يتعين على الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي كافة، وعددهم 27 دولة، التصديق الإجمالي على هذه المعاهدة من عدمه).
من شأن الضغوط التي سوف يمارسها كلا البرلمانين أن تكون كبيرة وهائلة للغاية من أجل الموافقة على أي صفقة مع الجانب الآخر. وينفد الوقت من بين أيدينا سريعاً قبل انتهاء الفترة الانتقالية المقررة في 31 ديسمبر (كانون الأول) من العام الحالي. ومع تراكم الكم الهائل من الأولويات الأخرى ذات الأهمية، من مواجهة وباء كورونا المستجد إلى مزيد من الاقتراض المالي المشترك، سوف ينفد صبر الجميع سريعاً. كما تجيد الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي الدفع بنوابها في مختلف الاتجاهات عندما تكون مصالح تلك الدول على المحك.
وهذا هو السبب الحقيقي في استعراض برلمان الاتحاد الأوروبي عضلاته في الوقت الراهن، وليس بعد وصول مسودة المعاهدة النهائية إلى صناديق البريد الخاصة بالأطراف المعنية كافة؛ إذ يتقابل أعضاء البرلمان الأوروبي بصفة منتظمة مع ميشيل بارنييه، وهم لا يحدوهم الخجل من الإعراب عن مخاوفهم الواضحة بشأن مصالحهم وخطوطها الحمراء. ويشتمل ذلك على صيد الأسماك؛ حيث يحذر كثير من نواب البرلمان الأوروبي من منح الجانب البريطاني كثيراً من الامتيازات بشأن حق الوصول إلى السوق الأوروبية الموحدة من أجل المحافظة على الحصص. وقال الدكتور فالنتين كريلينغر، الباحث البارز لدى معهد جاك ديلور في العاصمة الفرنسية باريس: «لم يبرح البرلمان الأوروبي مكانه حتى اللحظة على طاولة المفاوضات».
ونظراً لأهمية إبرام الصفقة الحائزة على قبول كلا الجانبين – مع النظر إلى الفوضى الاقتصادية العارمة التي من المحتمل أن تحدث إثر مغادرة المملكة المتحدة لعضوية الاتحاد الأوروبي من دون صفقة واضحة المعالم – فمن شأن التأييد السياسي أن يتحول إلى نقطة بالغة الأهمية مع اقتراب نفاد الوقت. وفي نظرة إلى العالم المثالي، سوف يتراجع الجانب البريطاني عن الاستعانة بورقة برلمان المملكة المتحدة في إلغاء المعاهدات التي سبق الاتفاق عليها في الماضي، في حين يتدخل برلمان الاتحاد الأوروبي للمعاونة في العثور على حلول وسط مقبولة لدى الجميع يمكن تسويقها بسهولة إلى الناخبين بوصفها من البدائل المثلى في الآونة الراهنة. ولسوف يستلزم ذلك الدخول في جولات محمومة من المفاوضات المكثفة.
- بالاتفاق مع «بلومبرغ»