تيلر كوين
TT

اللقاح الصيني وإنقاذ حياة الأميركيين

أكد نقاد حرب الرئيس الأميركي دونالد ترمب التجارية مع الصين أنها قد أدت إلى ارتفاع أسعار المستهلكين، وزيادة تكاليف عمليات الإنقاذ المالية للمزارعين في الولايات المتحدة، فضلاً عن التوترات والاضطرابات المتزايدة بين البلدين.
وتعتبر كل هذه التقديرات صحيحة بقدر عنايتها بالأمر الواقع، غير أنها ليست كافية بحال؛ إذ تكمن التكلفة الكبرى للحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين في قياسها بالأرواح التي تزهق، وحالة عدم اليقين التجاري المستمرة، مع الانكماش الاقتصادي الطويل الأجل، بالإضافة إلى الافتقار الشديد إلى التعاون المشترك بين الولايات المتحدة والصين في مجال أبحاث وتصنيع اللقاحات، والتطورات الطبية البيولوجية الأخرى.
ومع وضع الموقف الأميركي الراهن في الاعتبار، ونظراً لأنه من المحال الوقوف على حقيقة أي من اللقاحات الموجودة لعلاج فيروس «كورونا المستجد» هي الأكثر أماناً وفاعليةً حتى استكمال التجارب الطبية الإكلينيكية (السريرية) مع إجراء المزيد من الدراسات الأخرى، فقد قامت الحكومة الفيدرالية الأميركية بشراء سبعة أنواع من اللقاحات حتى الآن. ويمكن للولايات المتحدة أن تضمن أنه عندما يحين وقت الإنتاج الموسع سوف تكون الشركات على استعداد لمتابعة الإنتاج.
تعد حافظة اللقاحات الحالية متعددة الجنسيات، بما في ذلك استثمارات من كبريات شركات صناعة الأدوية مثل: «فايزر»، و«سانوفي»، و«أسترازينيكا»، و«جونسون آند جونسون». ومن الناحية المثالية، لا بد من وجود لقاح صيني واحد على الأقل ضمن تلك الحافظة المتعددة الأطراف، ولكنه ليس موجوداً حتى الآن.
يبدو من الواضح بالنظر إلى خطاب الإدارة الأميركية الحالية أن الاستعانة باللقاح الصيني سوف يكون من الأمور العسيرة للغاية من الناحية السياسية المجردة. فلن يقبل أحد أن تطلق الإدارة الأميركية مسمى «الفيروس الصيني» على فيروس «كورونا»، ثم تطلب من المواطنين الأميركيين استعمال اللقاح الصيني في العلاج من الفيروس نفسه. لذلك، لم تبذل إدارة الرئيس دونالد ترمب، أي جهد يُذكر في إبرام صفقة تتضمن الحصول على اللقاح من الصين.
وفي وقت مبكر من هذه العملية، ذهب بعض المراقبين الأميركيين إلى حد السخرية من جهود إنتاج اللقاح في الصين. ولكنها كانت جهوداً مثيرة للتقدير والإعجاب حتى الآن. فلقد تمكنت الصين من إنجاز أسرع تقدم مسجل من أي دولة أخرى على مستوى العالم في هذا السباق، ولديها العديد من الجهات المنافسة الساعية إلى إنتاج اللقاح، مع وجود 4 منتجات فعلية قيد المرحلة الثالثة من التجارب الإكلينيكية.
وعلى الرغم من أن النتائج النهائية لم تصدر بعد، إلا أن البيانات الواردة من البرازيل تشير إلى أن لقاح «سينوفاك» يحمل قدراً معتبراً من الأمان على الأرجح. وتعتبر الإمارات العربية المتحدة في المرحلة الثالثة من اختبار لقاح «BBIBP-CorV»، مع توقع صدور النتائج في زمن قريب، تماماً كما تواصل الصين نفسها اختبار المنتجات الأخرى التي لديها بكل نشاط. ولقد أشارت إحدى الدراسات البحثية الحديثة في مجلة «لانسيت» الطبية إلى نتائج واعدة، وآمنة بدرجة كافية. ولم تبلغ المسألة حد التسوية، ولكن اللقاحات الصينية لا تغادر حلبة التنافس على الأقل حتى الآن.
وتجري الصين تجارب تلك اللقاحات على أفراد الجيش وبعض موظفي الشركات المملوكة إلى الدولة. وتتخذ الولايات المتحدة تدابير أكثر عناية وحذراً. ولكن الصين، من واقع قدراتها الواسعة على جمع المعلومات، تواصل إجراء المرحلة الثالثة من التجارب بصورة علانية وبوتيرة سريعة. وسواء اتفقنا أم اختلفنا مع تلك السياسة، يمكن للولايات المتحدة، من حيث المبدأ، الاستفادة من تلك العملية، نظراً لأن الصين هي التي سوف تتحمل كافة المخاطر الناجمة عنها، كما تتحمل مسؤولية المعلومات والبيانات الصادرة عنها.
ومن المميزات الأخرى للقاحات الصينية المحتملة أنها مصممة لصالح الإنتاج السريع والواسع النطاق مع قابلية المزيد من التوسع مع مرور الوقت. وقد يكون ذلك مفيداً، حتى وإن لم تكن تلك المنتجات هي الأكثر فاعلية من الناحية الطبية والبيولوجية المجردة.
وإنصافاً للجميع، فليس هناك من ضمان بأن الولايات المتحدة كانت قادرة على إبرام صفقة الحصول على اللقاح مع الصين، حتى لو لم يكن الرئيس دونالد ترمب هو رئيس البلاد، ومع عدم وجود الحرب التجارية بين البلدين في المقام الأول. ومع ذلك، كان الجانب الصيني هو الأكثر نشاطاً في إجراء المبيعات المبدئية المبكرة للأمصال الصينية في الخارج، وهم غالباً ما يقرنون ذلك بالحصول على بعض المكاسب الجيو - سياسية في المقابل أيضاً. ولقد وقعت الصين لتوها على اتفاقية «كوفاكس» ضمن ترتيبات متعددة الأطراف لتقاسم اللقاحات. غير أن الولايات المتحدة الأميركية لم تقرر الانضمام إليها حتى الآن.
ولا ينبغي على الحكومة الأميركية التقدم بتنازلات دولية في مقابل المطالبة بالحصول على اللقاحات الصينية. ولكن من الممكن للغاية أن تكون الحكومة الصينية منفتحة للتفاوض بشأن صفقة نقدية. كما يمكن للصين الحصول على حقوق شراء بعض اللقاحات المنتجة في الولايات المتحدة الأميركية. وبالتالي تقلل من مستوى المخاطر التي قد يتعرض لها أحد الجانبين، في صورة من صور تعاقد التأمين المتبادل بين الطرفين.
ومن المحتمل أن يتحول الأمر إلى ما يشبه الهزيمة الدعائية المتواضعة الأثر إذا ما تبين أن الولايات المتحدة في حاجة حقيقية إلى اللقاح الصيني. غير أن ابتلاع قدر من الغطرسة سوف يكون ثمناً أميركياً بسيطاً للغاية في مقابل الحصول على لقاح صيني مفيد للغاية، على اعتبار الأضرار الهائلة التي تسببت فيها جائحة فيروس «كورونا المستجد».
بوتيرة هي أسرع مما قد يعتقده أغلب الناس، تحولت الصين إلى أحد اللاعبين الرئيسيين في مجال العلوم الطبية البيولوجية. ولا تتوقف التجارة مع الصين على إنتاج وتسويق هواتف «الآيفون»، أو فول الصويا، أو الألعاب البلاستيكية في متاجر «وولمارت» فحسب. ففي هذه الأيام، صار الأمر مسألة حياة أو موت. وربما يدرك القليل من المواطنين الأميركيين تلك الحقيقة عندما اندلعت الحرب التجارية بين البلدين في أول الأمر. ولكن من بين مزايا التجارة المشتركة أنها تخلق الفرص السانحة الثمينة التي يصعب كثيراً التنبؤ بها مسبقاً.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»