د. جبريل العبيدي
كاتب وباحث أكاديمي ليبي. أستاذ مشارك في جامعة بنغازي الليبية. مهتم بالكتابة في القضايا العربية والإسلامية، وكتب في الشأن السياسي الليبي والعربي في صحف عربية ومحلية؛ منها: جريدة «العرب» و«القدس العربي» و«الشرق الأوسط» اللندنية. صدرت له مجموعة كتب؛ منها: «رؤية الثورات العربية» عن «الدار المصرية اللبنانية»، و«الحقيقة المغيبة عن وزارة الثقافة الليبية»، و«ليبيا بين الفشل وأمل النهوض». وله مجموعة قصصية صدرت تحت عنوان «معاناة خديج»، وأخرى باسم «أيام دقيانوس».
TT

فرنسا والمعركة مع الإسلام السياسي

فرنسا والمعركة مع الإسلام السياسي... هل هي معاداة للإسلام وتمييز ضد المسلمين، خصوصاً بعد محاولات من البعض لتفسيرها بأنها حرب ضد الإسلام، وأنها تندرج تحت عنوان «الإسلاموفوبيا»، أم هي مواجهة فرنسية وطنية مع التطرف والعنف المتستر بالدين ولكبح جماعات متطرفة تسللت للبلاد وقد تكون نبتت داخلها بفكر وافد؟
معركة قد تضع فرنسا أمام غلط مصطلحات وتفسيرات متباينة، خصوصاً أن بعض السياسيين الفرنسيين يستخدمون مصطلح «الانفصاليين»، وإن كان البعض يعزو ذلك لسياسة فرنسا الخاطئة لسنوات ماضية في إهمال دمج المهاجرين في المجتمع الفرنسي، مما جعلهم يتقوقعون في تجمعات أشبه بالانفصالية داخل المجتمع الفرنسي... وهو السبب الحقيقي وراء وجود تجمعات فقيرة منفصلة عن المجتمع الفرنسي، وجدت الطريق إليها جمعيات وجماعات متطرفة تمول من الخارج، خصوصاً بعد تحذيرات من نواب وسياسيين فرنسيين للحكومة للاهتمام بمشكلة مجتمعات الضواحي، وإلا فستواجه فرنسا انفصال تجمعات سكانية داخل فرنسا، وصفها البعض بـ«مناطق الجمهورية الضائعة»!
الواقع المجتمعي الفرنسي المتقوقع بعيداً عن دمج المهاجرين، قد يكون هو المتسبب في إيجاد تربة خصبة للانفصاليين. وحتى لا يختلط الأمر، ففرنسا الجمهورية الخامسة تحمي الحريات، ولطالما احترمت القوانين ونبذت العنف، فبالتالي فرنسا لا تخلط بين الإسلام بصفته ديناً وحق العبادة والتعبد، وبين قوى سياسية تتلبس بالدين؛ كجماعة «الإخوان المسلمين»، التي تتخذ من مساجد وجمعيات إنسانية ستاراً لها لتخفي أنشطة إرهابية لدرجة التهديد بتدمير الجمهورية الخامسة في فرنسا.
فرنسا؛ التي طالب وزير داخليتها جيرالد دارمانان السلطات المحلية بوضع المساجد في مدينتي بوردو وبيزييه تحت حماية الشرطة بعد تلقيها تهديدات، وبعد تلقيها رسائل كراهية، هي نفسها التي خرج بيان حكومتها بالتأكيد على خطر «الإسلام السياسي».
لقد شدد الرئيس ماكرون على قيم الجمهورية الفرنسية، بالقول إن «على فرنسا (التصدي للانعزالية الإسلامية) الساعية إلى (إقامة نظام موازٍ) و(إنكار الجمهورية)»، بيد أنه خلط بين الحجاب بصفته زيّ حشمة ويزج به بين الرموز الدينية؛ الأمر الذي يمكن للبعض قراءته على أنه ممارسات لشرعنة التمييز ضد المسلمين من خلال سياسة ممنهجة قانوناً.
وهذا يقودنا إلى محاولة قراءة بيان الحكومة الفرنسية؛ هل هو شرعنة تمييز ضد المسلمين بوصفهم أقلية تعيش في فضاء الجمهورية الخامسة، أم أنه محاولة لتحصين فرنسا من تسلل قوى الإسلام السياسي الذين أفسدوا الحياة السياسية في ليبيا وسوريا واليمن والعراق ومصر؟ وإن كانت مصر تخلصت من عباءة الإسلام السياسي مبكراً، على العكس من ليبيا التي خاضت حروباً ومواجهات مسلحة مع عنف «الإسلام السياسي».
ماكرون، الذي قال إن «هناك جزءاً من المجتمع يرغب في استحداث مشروع سياسي باسم الإسلام»، تناغم مع بيان الحكومة الرسمي: «قوى الإسلام السياسي تهدف لتدمير الجمهورية»؛ الأمر الذي يدفع بنا إلى محاولة معرفة: ما هي قوى الإسلام السياسي؟
بالتأكيد أي تعريف للإسلام السياسي لا يمكن أن يقفز أو يتجاهل مؤسسي الفكرة وعرّابيها؛ جماعة «الإخوان»... الجماعة المبتدعة دينياً والمفلسة سياسياً، التي أنتجت ما يسمى «الإسلام السياسي». ولذلك تزعمت حركة الإخوان المسلمين المشهد السياسي للحركات الإسلامية، مثل «القاعدة» و«داعش» اللتين خرجتا من عباءة «الإخوان».
فالحملة الفرنسية ضد الإسلام السياسي تستهدف أساساً «الإخوان» والتنظيمات المنبثقة عنها، والتي استفادت من الغطاء القانوني للحريات الفردية وقيم الجمهورية الفرنسية الخامسة. مشهد القتل بقطع الرأس الصادم الذي تعرض له المدرس الفرنسي على يد أحد الذئاب المنفردة التي يحركها الإسلام السياسي من بُعد، هو القشة التي قصمت ظهر البعير.
بعد موجات التطرف والإرهاب التي طالت فرنسا، فمن حق فرنسا حماية أمنها المجتمعي وفق القوانين التي تكفل العدالة والمساواة للجميع من دون الإضرار بحرية العبادة، خصوصاً أن من بين ضحايا الإرهاب مسلمين، ولعل مشهد قتل الشرطي الفرنسي المسلم أحمد مرابط بدم بارد على رصيف مقر صحيفة «شارلي إيبدو» الفرنسية، ما يؤكد أن ليس للإرهاب دين.