د. عبد الله الردادي
يحمل الردادي شهادة الدكتوراه في الإدارة المالية من بريطانيا، كاتب أسبوعي في الصفحة الاقتصادية في صحيفة الشرق الأوسط منذ عام ٢٠١٧، عمل في القطاعين الحكومي والخاص، وحضر ضيفا في عدد من الندوات الثقافية والمقابلات التلفزيونية
TT

النظام الضريبي الموحد

قدمت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية مقترحاً، الأسبوع الماضي، يدعو إلى تبني الدول نظاماً ضريبياً موحداً للتعامل مع الشركات متعددة الجنسيات. ويهدف النظام الموحد الجديد إلى حل مشكلتين رئيسيتين في النظام الضريبي الحالي للشركات، الأولى تتعلق بآلية تحصيل ضريبة الشركات متعددة الجنسيات. حيث تدفع الشركات اليوم الضريبة على أرباحها بحسب نسبة الضريبة في بلد المقر الرئيسي لها. وبناءً على هذه الآلية، فإن المستفيد الأول من تحصيل الأرباح تلك الدول التي تحتضن المقرات الرئيسية للشركات متعددة الجنسيات، فيما لا تستفيد الدول المستهلكة لهذه المنتجات أو الخدمات. وكثيراً ما يضرب المثل بالشركات التقنية التي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً رئيسياً لها، بينما يقع أغلب عملائها خلف البحار في الدول الأوروبية والآسيوية. ولا ينحصر الأمر على الشركات التقنية فحسب، فهناك الشركات الأوروبية التي تبيع معظم منتجاتها لدول أخرى، وتستفيد هي ضريبياً من أرباح هذه الشركات.
وقد تسببت هذه الآلية بالعديد من المشاكل والصدامات، كان آخرها الصدام الأوروبي الأميركي، العام الماضي، حيث بدأت الحكومة الفرنسية العام الماضي في إعداد نظام يمكّنها من فرض ضريبة على الشركات التقنية المستفيدة من العملاء الموجودين داخل الحدود الفرنسية. وترى الحكومة الفرنسية - ودول كثيرة غيرها - أن الشركات التقنية تنتفع من الكثافة السكانية في أوروبا والدول النامية بتحقيق أرباح طائلة، ولا تستفيد هذه الدول بالمقابل من وجود الشركات التقنية، الذي يكون غالباً وجوداً افتراضياً. وقد كان رد الولايات المتحدة عنيفاً حينها حيث هددت باتخاذ إجراءات انتقامية في حال تطبيق هذه الضريبة. ومع اتضاح إمكانية تكرر هذه المشكلة في المستقبل، فقد طلبت مجموعة العشرين العام المنصرم من منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إعداد مسودة لنظام بحلول نهاية عام 2020. وجاء اقتراح المنظمة على أن تقسم أرباح الشركات متعددة الجنسيات، حسب جغرافيّة عملائها، ومن ثم تقتص الضريبة من هذه الأرباح، حسب أماكن وجود هؤلاء العملاء.
أما المشكلة الثانية التي يعالجها النظام الموحد، فهي تتعلق بالتلاعب الضريبي التي تمارسه بعض الشركات متعددة الجنسيات. حيث يمكن لهذه الشركات اليوم تحويل أرباحها محاسبياً من دولة إلى أخرى، لتركّز معظم أرباحها في الدول منخفضة الضرائب موفرة بذلك مبالغ ضخمة. وتستفيد شركات كثيرة من هذا القصور في النظام، وتستغله دول أخرى لجلب الشركات إليها. ويمكّن النظام الجديد الدول من المطالبة بالحد الأدنى الدولي من ضريبة الدخل في حال قامت الشركات بأنشطتها داخل حدودها، ولا يعفيها من ذلك أن تكون مقراتها الرئيسية في دول أخرى. ويفترض النظام أن هذا الحل سوف يقلل كثيراً من استغلال الشركات لانخفاض الضرائب في بعض الدول بتحويل أرباحها إليها.
ومن خلال حل المشكلة الأولى، فإن هذا النظام قد يمكّن هذا من توزيع أكثر من 100 مليار دولار من الضرائب على دول العالم بدلاً من تركيزها في دول محددة. كما أنه قد يزيد من حجم الضريبة المحصلة من الشركات متعددة الجنسيات بنحو 100 مليار دولار أخرى، كل ذلك دون أدنى زيادة في نسبة الضرائب، وبمجرد تحويل الأرباح من الدول منخفضة الضريبة إلى الدول المستهلكة للمنتجات والخدمات. وقد يؤثر هذا النظام على الناتج الإجمالي العالمي بشكل سلبي بنحو 0.1 في المائة، وذلك بسبب إيقاف بعض الشركات لنشاطاتها. أما في حال عدم تطبيقه واستمرار الدول بفرض هذه الضرائب بشكل فردي، فقد تزيد هذه النسبة نحو عشرة أضعاف بسبب الإجراءات الانتقامية المتوقعة.
حتى الآن، وافقت أكثر من 135 دولة على مسودة هذا النظام الذي يمكن أن يطبق العام المقبل، والذي يبدو أكثر عدالة من النظام الحالي. وتتبقى الموافقة السياسية التي قد تستغرق وقتاً طويلاً، لا سيما من قبل الولايات المتحدة، وهي التي قد تكون أكبر المعارضين له بسبب أن الشركات التقنية الأميركية هي إحدى أكبر الشركات المستهدفة من هذا النظام. ولذلك فقد تلعب نتائج الانتخابات الأميركية دوراً جوهرياً في مستقبل هذا النظام. ومع احتمالية مناقشة هذا النظام في اجتماع دول مجموعة العشرين الشهر المقبل، إلا أن تطبيقه هذا العام مستبعد بسبب تأثيره الواسع.