كلارا فيريرا ماركيز
TT

هل تصبح بيلاروسيا عبئاً على روسيا؟

تلقى النظام الحاكم، سوفياتي الهوى، في بيلاروسيا، والذي يقوده الرئيس ألكسندر لوكاشينكو، صفعة مدوية، إلا أنه للأسف الشديد ربما تستمر روسيا من جهتها في إبقائه على أجهزة التنفس الصناعي لبعض الوقت، ذلك أن الدعم الصريح الذي يقدمه الكرملين اليوم بثّ الجرأة في نفس لوكاشينكو الذي كان يترأس إحدى المزارع، قبل أن يصبح حاكماً مستبداً للبلاد. وإذا ما استمر لوكاشينكو في السلطة، فإن بيلاروسيا هي من سيدفع الثمن.
بيد أنه في الوقت الذي أطيح بتشاوشيسكو بعد ذلك المشهد بأيام قلائل، نجد أن لوكاشينكو البالغ 66 عاماً ظل متشبثاً بمكانه. واليوم، يبعث لوكاشينكو بإشارات تكشف قدراً متنامياً من العناد والإصرار ـ كان أكثرها لفتاً للأنظار مشهد هبوط الرئيس من طائرة مروحية مرتدياً سترة واقية من الرصاص، وحاملاً في يده بندقية، وبرفقته نجله المراهق يحمل عدة قتالية.
على الجهة المقابلة، لا تتوفر أمام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خيارات جيدة فيما يتعلق ببيلاروسيا. من ناحية، هو لا يرغب في ظهور حركة ديمقراطية على أعتاب بلاده. ومن ناحية أخرى، بدا متردداً إزاء مساندة حليف متقلب، بجانب شعوره بالحذر إزاء إثارة سخط شعب يحمل مشاعر طيبة على نطاق واسع تجاه روسيا.
وخلال مقابلة تلفزيونية أجريت معه، بدا بوتين واضحاً تماماً، فبعد توجيهه إيماءة خاطفة خلال حديثه إلى إرادة أبناء بيلاروسيا، أوضح الرئيس الروسي أن بلاده لا يمكن أن تتخذ موقف المتفرج حيال مصير «أقرب» جيرانها، وأنها ستتدخل إذا ما تطلب الأمر. ولمح إلى أن لوكاشينكو قدّم ما يكفي من التنازلات.
ولم يكن ذلك مجرد تهديد، وإنما إشارة إلى دعم الجهاز الأمني الذي يقوم عليه نظام لوكاشينكو بأكمله. ورغم أن التدخل العسكري في بيلاروسيا لا يبدو في حكم المستحيل، تظل الحقيقة أن هذه ليست أوكرانيا. في بيلاروسيا، تدعم روسيا حاكماً لا يحظى بشعبية، ولا تحتاج موسكو لدبابات في هذا الأمر.
وبالفعل، أرسلت روسيا صحافيين للإبقاء على عمل التلفزيون الرسمي، وأصبحت بصمتها واضحة في الخطاب الحكومي الذي يتحدث على نحو متزايد عن تهديدات خارجية لا وجود لها.
من ناحية أخرى، تعامل الغرب حتى الآن مع الأوضاع داخل بيلاروسيا بحذر. ويبدو حذراً، وعن حق، إزاء استثارة غضب موسكو. ودعا الغرب إلى عقد انتخابات جديدة ونزيهة. إلا أنه في الوقت ذاته لا يملك نفوذاً كبيراً، ومن غير المحتمل أن يؤدي فرض عقوبات أولية على تغيير الموقف، في الوقت الذي زادت فيه جرأة لوكاشينكو على التهديد باستغلال الموقع الجغرافي الاستراتيجي للبلاد وقطع تدفق السلع الأوروبية إلى روسيا.
ويبدو هذا مؤشراً لا يبشر بالخير فيما يتعلق بما هو آتٍ، مع إمكانية إنزال عقاب أشد ببيلاروسيا تلوح في الأفق. يمكن لروسيا معاونة نظام مشوه، لكنها ستجابه صعوبات جمَّة في دفعه لفعل ما هو أكثر من ذلك، حتى لو مضى قدماً في إجراءات مثل دعم الروبل البيلاروسي المنهار، من خلال إعادة تمويل ديون بقيمة مليار دولار، أو تشجيع حيتان رجال الأعمال على الاستثمار في بيلاروسيا.
والمؤكد أن هذه الأحداث تضع نهاية للمعجزة الاقتصادية البيلاروسية. الملاحظ أن حملة الإجراءات الوحشية التي اتخذها النظام واستعداده لقطع الإنترنت وقتما شاء - الأمر الذي كبَّد بيلاروسيا أكثر عن 56 مليون دولار يومياً، تبعاً لما كشفته أرقام صادرة عن مؤسسة «نتبلوكس» نشرتها صحيفة «فايننشال تايمز» - ألحقت أضراراً يتعذر إصلاحها بإمكانات قطاع التكنولوجيا والتعهيد الذي كان قد ازدهر رغم الاقتصاد الموجه، الأمر الذي كان له الفضل في دعم قصص نجاح مثل تطبيق «فايبر». ورغم أن هذا القطاع يشكل نحو 6 في المائة من إجمالي الناتج الداخلي لبيلاروسيا، فإنه نجح في خلق عدد ضخم من الوظائف الجديدة يفوق حجمه بكثير، وزرع آمالاً قوية في البلاد. أما اليوم، فقد بدأت موجة نزف عقول داخل بيلاروسيا بالفعل.
في هذا الصدد، قارن كونستانتين سونين، من مدرسة هاريس للسياسات العامة التابعة لجامعة شيكاغو، بين النتائج المحتملة قصيرة الأجل في بيلاروسيا بمصير ترانسنيستريا، شريط من الأراضي يقع بين أوكرانيا ومولدوفا يتحدث سكانه الروسية، وكان قد انفصل مع انهيار الاتحاد السوفياتي. حتى هذه اللحظة، ما يزال غير معترف بترانسينستريا، بل لا يعرف كثيرون من خارج المنطقة عنها شيئاً. وبذلك، يتضح أنه في الوقت الذي ساعد دعم موسكو في احتفاظ ترانسينستريا بقدرتها على التنفس والبقاء، فإنها لم تزدهر قط.
أما الواضح الآن فهو أن السير على النهج الذي يروق لبوتين لا يكفل مستقبلاً مستقراً للوكاشينكو، الذي سيتضرر موقفه بالتأكيد جراء الجمود الاقتصادي، وربما يتحول إلى عبء ثقيل للغاية على كاهل موسكو.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»