إميل أمين
كاتب مصري
TT

السعودية والذكاء الصناعي لخير البشرية

على مشارف أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، تشهد المملكة العربية السعودية قمة عالمية فريدة من نوعها، تحت رعاية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وعنوانها «الذكاء الاصطناعي لخير البشرية».
تأتي هذه القمة - ولا شك - ضمن سياق الرؤية الاستشرافية التقدمية للمملكة 2030، والتي تسعى لتلمس خطوط المستقبل، والإمساك بخيوطه، لا سيما أن الذكاء الصناعي يندمج تدريجياً يوماً تلو الآخر في مختلف جوانب الحياة اليومية للبشر.
يعني اهتمام المملكة بهذا الشق من الحياة المعاصرة أنها سائرة على درب مواكبة المتغيرات السريعة؛ ما يضمن لها مكانة متقدمة بين الأمم، وليس خافياً على أحد أن من ستكون له الريادة في عالم الذكاء الصناعي، سيكون سيد العالم من دون منازع، ومن هنا تحديداً يمكن فهم أبعاد الصراع الدائر بين واشنطن وبكين.
أقرب مفهوم مبسط في غير خلال للذكاء الصناعي، هو العمل الذي تقوم به الآلات، وفي مقدمتها أجهزة الكومبيوتر عوضاً عن البشر؛ الأمر الذي يجعل القضية معقدة وتحتاج إلى قدر كبير من التوازنات بين ما هو إنساني وإيماني وأخلاقي، وبين ما هو براغماتي ذرائعي نفعي.
يمكن للذكاء الصناعي أن يكون صيفاً أو شتاءً، وأن يضحى طريقاً لمزيد من رفاهية البشرية وتقدمها، وبالقدر نفسه هناك احتمالات أن يكون وبالاً على البشرية، إذا تمكنت الآلة من إقصاء الإنسان، وربما لاحقاً يقدر للروبوتات التفكير والتخطيط والسعي لعزل البشر، بالضبط كما رأينا في أفلام الخيال العلمي.
أحسنت المملكة في اختيار عنوان القمة، والتي ستعقد افتراضياً، لظروف تفشي وباء «كوفيد – 19» حول إرجاء العالم؛ فالخير يجب أن تكون له الأولوية في التفكير، وعلى الشر أن يختفي، لكن ذلك يحتاج إلى قوة أخلاقية ومعنوية تساير التطورات التكنولوجية، ومن هنا يمكن للمملكة أن تلعب دوراً متميزاً في قيادة هذا التوجه العالمي، لا سيما وهي قلب العالم الإسلامي، وعلى كاهليها تلقى أعباء الاستنارة الروحية لنحو ملياري مسلم حول العالم.
القمة العالمية القادمة ستكون - ولا شك - متعددة المزايا والمنافع للمملكة وللإقليم، فهي فرصة للتنافح والتلاقح مع صناع القرار والخبراء والمختصين من مختلف القطاعات الحكومية والخاصة من داخل المملكة وخارجها، وهي بذلك تفتح الآفاق أمام الأجيال السعودية الشابة لتبادل الخبرات وتعزيز الرؤى والمفاهيم المعولمة، وإن بمذاق لا يخلف وراءه التراث الإنساني والإيماني للمملكة وساكنيها.
أثبتت الأشهر الماضية التي عرفت انتشار الفيروس الشائه، أن من يتحكم في أدوات وآليات الذكاء الصناعي، حكماً سيتمكن من توجيه عقول البشر، وليس أدل على صحة هذا الكلام، من الثروات الطائلة المقدرة بالمليارات والتي راكمها أصحاب شركات الاتصالات ووسائط التواصل الاجتماعي والبيع والشراء عبر الشبكة العنكبوتية، فقد قبع الناس وراء الجدران، في حين ظل الرابط الإنساني قائماً بالصوت الصورة، وهناك من ذهب إلى أن أزمنة ما بعد «كورونا»، ستكون استعلان لحاضرات أيام الذكاء الفائق، بوجهيه الخيّر والشرير، وعلى المرء أن يختار ما يشاء.
والثابت كذلك أن قيادة المملكة وهي تفتح الأبواب واسعة لمناقشة مآلات الذكاء الصناعي، فإنها توجد مسارات ومساقات لاقتصاد مغاير، يختلف طولاً وعرضاً، شكلاً وموضوعاً، عن اقتصاد الريع النفطي، والذي كان الأساس في ركيزة المملكة طوال العقود السابقة.
وفقاً لدراسة أعدتها شركة «برايس ووترهاوس كوبرز»، المتعددة الجنسيات، فإن الناتج المحلي الإجمالي العالمي سيرتفع بنحو 14 في المائة بسبب الذكاء الصناعي، وسيضيف نشر التكنولوجيا في العقد المقبل ما يقارب من 15.7 تريليون دولار إلى الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
يمكن للمرء هنا أن يتصور كيف لمشروع عملاق مثل «نيوم»، أن يغير من شكل منطقة الشرق الأوسط، حال إدارته على أسس مستقبلية من أدوات الذكاء الصناعي بشقها الإيجابي الذي يوحّد البشر ولا يفرقهم، ويتيح لهم مسارات الالتقاء على الصعد الاقتصادية كافة، من طب وسياحة وتجارة وربما زراعة.
لم تعد مسألة معرفة الغيب تشغل الناس ونحن على مشارف العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين؛ ومرد ذلك أن أفضل طريق للتنبؤ بالمستقبل تتمثل في صناعته والإعداد له، وتهيئة الدروب لسير القادمين عليه بعد تعبيدها، وهذا ما تفعله المملكة.
تأتي هذه القمة العالمية على رمية حجر من قمة العشرين التي ينتظر أن تعقد في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل في المملكة كذلك، والتي تعد لها السواعد والعقول السعودية من الآن، لتكون أداة من أدوات استنقاذ العالم من وهدة الوباء الذي ترك أثراً سلبياً على الزرع والضرع، والحرث والنسل دفعة واحدة.
لا نريد إثارة الذعر بين البشر، إلا أن الأمانة والموضوعية تحتمان علينا الإشارة إلى أن عالم الذكاء الصناعي يمكن أن يقود إلى ما يسمى بـ«الثورة الإدراكية»، وفيها يحتمل أن يتفوق هذا النوع الجديد من المخلوقات على خالقه البيولوجي أي الإنسان «الهوموسابينس»، ليختفي بعد قرن أو أقل.
السعودية تدق أجراس الخطر للإنسانية عبر قمتها العالمية.