جون أوثرز
كاتب من خدمة «بلومبرغ»
TT

اللقاح يواجه الإنسانية باختبار أخلاقي جديد

أسفرت جائحة فيروس «كورونا» الراهنة عن اختبار شديد للإجهاد والضغوط على مستوى العالم. وبصرف النظر تماماً عن تحديات الثبات البشري في مواجهة الأوبئة والكوارث الطبيعية، والخدمات الصحية الوطنية، فلقد أُجبرنا على مواجهة سلسلة مدهشة من الخيارات الأخلاقية. ولقد أثارت العديد من الجهات الكثير من الخلافات العاطفية الجياشة بشأن ما إذا كان يمكن للحكومات أن تُجبر الشركات والمدارس والجامعات على إغلاق أبوابها، وبشأن التضحيات الكبيرة حفاظاً على كبار السن.
بيد أن أصعب وأقسى الاختبارات الأخلاقية ما زال في انتظارنا؛ إذ تواصل مؤسسات الطب الحيوي ومرافق البحث العلمي في كافة أرجاء العالم السعي والتقدم من أجل التوصل إلى لقاح من شأنه أن يوفر أفضل الفرص المتاحة للقضاء على الفيروس وإعادة الحياة إلى مجرياتها قبل وقوع الكارثة. غير أن الإشكاليات الأخلاقية الكبيرة التي أثيرت بسبب تطوير اللقاح ثم توزيعه من شأنها أن تشعل حالات من المناقشات والجدل العميق بأكثر من أي وقت مضى.
ويعرض كتاب بعنوان «الأخلاقيات والأوبئة» من تأليف الدكتورة ميريديث شوارتز أستاذة الفلسفة في جامعة رايرسون الكندية في تورونتو، جملة من وجهات النظر المتسمة بالتناقض لدى عدد من الخبراء الأكاديميين، والأطباء، والصحافيين.
تقول حكومة الولايات المتحدة إن لقاح فيروس «كورونا» سوف يخضع للتطوير بسرعة فائقة للغاية. غير الحقائق العلمية تؤكد أن اللقاحات تستغرق سنوات قبل تطويرها، وذلك لأسباب علمية معتبرة، ولن يتسنى تحقيق أي من الفوائد المرجوة إن جرى إطلاق اللقاح الجديد قبل التأكد من أمانه للاستخدام البشري تماما. ومن شأن لقاح فيروس «كورونا» الفاشل أن يسبب انهيار ثقة الجمهور في التطعيمات الصحية الأخرى.
تتوافر السبل المختصرة لإجراء الاختبارات ولكنها غير مؤكدة. ويقول الدكتور آرثر كابلان، رئيس الأخلاقيات البيولوجية لدى نظام مستشفيات لانغون التابع لجامعة نيويورك، أن القاعدة الأولى في تحديد مبررات الاستعانة بسبل الاختبارات المختصرة هي نجاحها في موازنة المخاطر الراهنة مع احتمال وجود بيانات أفضل. ويؤدي ذلك إلى إثارة المسألة التي تقسم الفرق العلمية في شركة «مودرنا» للتكنولوجيا البيولوجية في مدينة بوسطن مع أقرانهم من جامعة أكسفورد في المملكة المتحدة، والذين يعملون على محاولتين واعدتين بالوصول إلى اللقاح: ما هو مقدار المخاطر المتعلقة بإلحاق الأضرار بالإنسان والذي يمكنهم تحمله بصورة مبررة؟ فمن شأن أفضل السبل لتسريع الوصول إلى اللقاح أن تتعارض تماما مع الالتزامات الراسخة الخاصة بأخلاقيات مهنة الطب، لا سيما قَسَم أبقراط بعدم إلحاق الأذى بالمرضى.
وبصرف النظر تماما عن النتائج الإيجابية المتوقعة في النهاية، يقول أنصار مدرسة الفيلسوف كانط إنه ليس هناك من حق قط في إلحاق الأذى بأي إنسان على الإطلاق؛ إذ إن الغايات الفاضلة لا تبرر أبدا الوسائل غير الأخلاقية.
كان يجري ضمن «تجارب التحديات البشرية» - التي استخدمت في اختبار لقاحات وباء الكوليرا وحمى الضنك على البشر مباشرة - حقن المتطوعين بأحد الأمصال ثم يتعرض عن قصد للإصابة بالجراثيم التي يأمل الباحثون ويحاولون تحييد آثارها المهلكة. ويخضع المتطوعون للمراقبة المكثفة، وتخرج نتائج الحقن باللقاح التجريبي في غضون أسابيع قليلة. يعمل الباحثون في جامعة أكسفورد على تطوير سلالات من فيروس «كورونا» استعدادا لخوض مثل هذه التجارب، كما هو الحال لدى المعاهد الصحية الوطنية في الولايات المتحدة. بيد أن شركة «مودرنا» الأميركية اختارت الابتعاد عن إجراء «تجارب التحديات البشرية»، وتحاول بدلاً من ذلك البدء في التجارب التقليدية مع 30 ألف حالة اختبار. ويجري إعطاء المتطوعين إما اللقاح التجريبي وإما العقار الوهمي، ثم يمارسون حياتهم اليومية بصورة طبيعية مع احتدام الوباء. وتأمل الشركة الأميركية في الحصول على نتائج موثقة من الناحية العلمية بحلول نهاية العام الجاري.
ومن خلال إجراء الاختبارات في العالم الواقعي، يمكن للنتائج المنتظرة أن تتفوق على «تجارب التحديات البشرية» والتي تجري داخل المختبرات العلمية.
غير أن منهج الاختبار التقليدي يتسم بالبطء الشديد. ولقد جاءت محاولة مماثلة لإجراء مثل هذه الدراسة التقليدية في المملكة المتحدة في وقت سابق من العام الجاري في مرحلة كان وباء «كورونا» قد بدأ في التراجع داخل المملكة المتحدة، الأمر الذي زاد من صعوبات استخلاص النتائج والوصول إلى الاستنتاجات الراسخة من الناحية العلمية.
علاوة على ما تقدم، يحمل الأطباء التزاماً أخلاقياً بضرورة إبلاغ الأشخاص المتطوعين بكيفية تفادي الإصابة بالعدوى. فلا يمكنهم إخبارهم بعدم ارتداء الكمامات الواقية، أو الوجود داخل الأماكن المزدحمة بالناس، رغم أن ذلك من شأنه أن يؤدي إلى تحسين نتائج الاختبارات المطلوبة. كما أنه من المحال كذلك وضع المتطوعين في الاختبارات التقليدية قيد المراقبة المستمرة عن كثب للوقوف على ما إذا كانوا يبلغون الأطباء عن تجاربهم الشخصية بصورة دقيقة لا تؤدي إلى تحريف النتائج.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»