د. محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

الحوافز رافعة المعنويات

عندما ناقش المساهمون في الجمعية العمومية لسلسلة متاجر «ماركس أند سبنسر» (M&S) البريطانية العريقة، حوافز كبار المسؤولين التنفيذيين، الشهر الماضي، اتخذوا قراراً لا يعكس شعبوية الطرح الذي نسمعه في أزمة فيروس «كورونا» من ضرورة وقف شتى أشكال الحوافز المادية. فهم صوتوا على قرار مفاده بأن اثنين من كبار المسؤولين في المجموعة يستحقان أسهماً منحة، لكنهم فقط خفضوا النسبة من أسهم بقيمة تساوي 250 في المائة من الراتب السنوي إلى 175 في المائة من الراتب، وذلك لأسباب مالية وتدهور سعر السهم.
وهذا يعد تقديراً صريحاً لأهمية الحوافز للقياديين وغيرهم في إدارة دفة السفينة حتى في ظل أكبر جائحة في التاريخ الحديث.
يحدثني اثنان من الرؤساء التنفيذيين في الخليج بأنهما قررا فقط «تأجيل» كل حوافز الموظفين إلى فترات لاحقة بعد الحصول على موافقة الموظفين، وكذلك اضطرار شركتيهما إلى تخفيض نسبة من الرواتب.
ومحاولات التحفيز عموماً قد لا يكتب لها النجاح أحياناً، حتى لو جاءت من كبريات المنظمات الناجحة. وهو ما حدث في المحاولة الجريئة للشركة العملاقة «جنرال إلكتريك» (GE)، عندما حاولت تحفيز الموظفين ولكن بطريقة قاسية قليلاً، وذلك بقرارها تسريح 10 في المائة من الموظفين سنوياً ممن يحصلون على نتيجة متدنية في تقييم الأداء السنوي، حيث دب الخوف في نفوس الموظفين وتدهورت معنوياتهم. ثم سرعان ما تراجعت الشركة عما كانت تطلق عليه برنامج «منحنى الحيوية»، على اعتبار أنها فكرة ستشعل حيوية الناس للعمل.
والتحفيز يأتي بصور عديدة، مادية ومعنوية. فمنح أسهم منحة، أو مكافآت نهاية العام (بونص)، ومشاركة يسيرة من الأرباح أو ما يسمى مكافأة النجاح، أو الرواتب التنافسية، أو العلاوات، هي صورة من صور الحوافز المادية. ويمكن تقديم أمور معنوية التي ثبت أيضاً تأثيرها الملحوظ على معنويات العاملين، مثل استمرارية تقديم برامج تطوير وتدريب نوعية تشحذ همم الناس وتحفزهم لمزيد من العطاء، خصوصاً إذا كان في بيئة العمل من يعتبرونه مرشداً ناصحاً أو ملهماً mentor يمكن أن ينقل لهم عصارة خبرته المهنية والحياتية. كما أن الأمان الوظيفي هو بحد ذاته حافز، خصوصاً إذا ما قرن بالأداء المنشود.
ولا بد من الإشارة إلى أن الحوافز تفقد قيمتها عندما يعامل جميع الموظفين بطريقة متساوية كأنها تركة توزع عليهم. فما إن يتقاضى المنتج أو من يعد شعلة من النشاط والإنتاجية حوافز متساوية مع ذلك المتقاعس هنا تقع المشكلة، حيث يعزف المنتجون عن إظهار أفضل ما لديهم من طاقات ومواهب مدفونة. ويدفع ثمن ذلك بيئة العمل. وتشير الدراسات إلى أنه من بين كل مائة موظف ربما يكون هناك خمسة فقط يتسمون بالكفاءة الشديدة، وهو ما يجعل من الضروري أن يحظوا بمعاملة خاصة، على اعتبار أنهم يشكلون القوة الدافعة لنجاح الشركة. وفي «دراسة أُجريت عام 2012، تبين أن 10 في المائة من حجم إنتاجية الشركة يعود إلى واحد في المائة من العاملين الأكثر كفاءة فيها»، وفق تقرير لـ«بي بي سي»، وإذا كان الأمر كذلك، لِمَ لا يقدر هؤلاء المنتجون بحوافز مجزية شريطة ربطها بتقييم أداء منصف وعادل؟
باختصار عندما يفقد العاملون الأمل في تقاضي ما يتجاوز سقف الراتب، أو الاستمتاع بما يطور قدراتهم، ويقدر إسهاماتهم، فإن منهم، على الأرجح، من سيدخل في سبات عميق من الانعزال، لأن أحداً لن يقدر مجهوداتهم.