رمزي عز الدين رمزي
سفير مصري ومسؤول أممي سابق
TT

نحو خطة بديلة بمرجعيات ثابتة

كتبت في فبراير (شباط) الماضي مقالاً حول ما يطلق عليها بـ«صفقة القرن» أو الخطة الأميركية في الشرق الأوسط، حيث ذكرت أن الفلسطينيين يواجهون ثلاثة تحديات يجب عليهم التعامل معها حتى انعقاد الانتخابات الأميركية في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل؛ الأول، كيفية منع إسرائيل من تنفيذ الصفقة من جانب واحد، والثاني، هو كيفية التقليل من أهمية الصفقة من خلال تحويل الأنظار عنها، والثالث، الحفاظ على دعم المجتمع الدولي لحل الدولتين.
فالمجتمع الدولي بصفة عامة والدول العربية بصفة خاصة لديهم مسؤولية في تفعيل التوافق الدولي الذي شاركوا في بلورته بشأن قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة، أو أقل ما فيها الحفاظ على هذا التوافق؛ الأمر الذي يمكن تحقيقه بمساعدة الفلسطينيين بالتعامل الفعال مع تلك التحديات الثلاثة، وذلك من خلال طرح مبادرة بديلة لخطة ترمب خلال الأسابيع القليلة المقبلة.
وبما أن الغرض الأساسي من الصفقة - كما ذكرت - كان الإسهام في إعادة انتخاب كل من بنيامين نتنياهو ودونالد ترمب، الآن وقد أعيد انتخاب نتنياهو ولكن بالكاد، حيث إنه أصبح في تحالف مع شركاء لا يشاطرون رغبته في التنفيذ السريع والأحادي للصفقة، فالأنظار تتجه نحو ترمب.
في وقت كتابة مقالتي السابقة، كان الشعور العام هو أن إعادة انتخاب ترمب هي الأرجح، أما الآن وطبقاً لاستطلاعات الرأي العام فيبدو أن فرصه تضاءلت في ضوء عدم رضا الناخب الأميركي على أدائه في مواجهة جائحة «كورونا» وتداعياتها الاقتصادية، وفي هذا الإطار يبدو أن تأثير الصفقة على فرص إعادة انتخاب ترمب أصبح محدوداً، خاصة حيث إن اثنين فقط من المكونات الرئيسية في قاعدة ترمب الانتخابية وهم الممولون الرئيسيون للحملة الانتخابية من اليهود الأغنياء وجزء من اليمين وحدهم يعلقون أهمية على تنفيذ الصفقة، ودعمهم غير أنه مضمون لا يكفي في حسم الانتخابات في صالح ترمب.
كذلك هناك معارضة متزايدة للصفقة بين صانعي الرأي في الولايات المتحدة بما في ذلك في الكونغرس خاصة بين الديمقراطيين، وبالفعل بدأت تظهر مؤشرات على أن الإدارة فقدت حماسها من أجل التنفيذ السريع للصفقة.
كما أن المعارضة في أوروبا لخطة ترمب أصبحت أكثر وضوحاً مع مرور الوقت، حيث اتخذ كل من الاتحاد الأوروبي والبرلمان الأوروبي وعدد من الدول الأوروبية مواقف معارضة للخطة. ومثال على ذلك مقال رئيس الوزراء البريطاني بشأن الصفقة الذي نشر في صحيفة إسرائيلية واسعة الانتشار.
ومع ذلك، قد يقدم نتنياهو على إجراء من جانب واحد إذا رأى أن مكاسبه الذاتية أكثر من خساراته. والمؤكد أن العامل الحاسم في اتخاذ نتنياهو قراره هو تقييمه لفرص بقائه السياسي وإرثه التاريخي، وكلاهما متشابك: فالآن وبعد أن ضمن مكانته كأطول رئيس للوزراء الإسرائيلي استمر في الحكم، سيكون تركيزه على كيفية مواجهة اتهامات الفساد التي يواجهها. أما مسألة إرثه التاريخي فيعتمد على عدد من الاعتبارات، معظمها يتعلق بتقييم الإسرائيليين لتداعيات الضم على أمن ومكانة إسرائيل على الساحة الدولية. فحتى الآن، يمكن لنتنياهو أن يدعي أنه عزز مكانة إسرائيل الدولية من خلال نجاحه في إقامة علاقات قوية مع روسيا والصين والهند، والكثير من القوى الناشئة، كما حقق نجاحات مهمة في أفريقيا وأميركا اللاتينية. كما يتفاخر بأنه تمكّن من بناء جبهة ضد إيران واستطاع الحفاظ على علاقات جيدة مع الدولتين العربيتين اللتين أبرمتا معاهدات سلام مع إسرائيل، وهما مصر والأردن. وأعتقد أن نتنياهو ربما يتردد في اتخاذ أي إجراء أحادي إذا أظهرت معظم تلك الدول بشكل واضح وملموس أنها لن تقبل قيام إسرائيل بضم ولو جزء من الأراضي الفلسطينية.
ولا شك أن نتنياهو سيدخل في حساباته من سيكون الرئيس الأميركي القادم؛ فقد يقدر أنه في حالة إعادة انتخاب ترمب فإنه سيكون أقل اهتماماً بمتابعة تنفيذ خطته. أما في حالة انتخاب بايدن، فإنه يدرك أن إدارة ديمقراطية لن تكون متحمسة لخطة ترمب. وهنا تجدر الإشارة إلى سابقة تراجع الولايات المتحدة عن موقف سبق اتخاذه، حين ألغى الرئيس أوباما عام 2009 خطاب الرئيس بوش الابن إلى رئيس الوزراء أرييل شارون في أبريل (نيسان) 2004 والذي اعترف فيه عملياً بتبعية «كتلة المستوطنات» في الضفة الغربية إلى إسرائيل. (للأسف عاد الرئيس أوباما وتراجع عن موقفه مرة أخرى). علاوة على ذلك، قد يقدر نتنياهو هذا أن التوقيت المناسب لتحقيق مبتغاه بدعم أميركي قبل أن تفقد الولايات المتحدة هيمنتها على الساحة الدولية وتقلص اهتمامها بالمنطقة.
ولا شك أن الموازنة بين كل هذه الاعتبارات ليس بالأمر الهين حتى بالنسبة لنتنياهو المعروف في تجاوزه الأزمات؛ ولذلك قد يلجأ إلى أسلوبه المعتاد في المراوغة، وذلك بانتهاج سياسة ضم متدرجة.
وهنا تأتي أهمية طرح بديل. في تقديري، إن أفضل صيغة لذلك هي خطة عربية - أوروبية مشتركة لتسوية النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي تتضمن الأخذ في الاعتبار جميع المبادرات السابقة (وبالتالي ضمناً خطة ترمب)، ولكنها تتأسس على مبادرة السلام العربية ومفهوم «حل الدولتين» كما يرد في الكثير من القرارات والوثائق الدولية.
والصيغة المثالية لذلك تكون بمبادرة مشتركة من جامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي، وإن لم يكن ذلك ممكناً، فعندئذٍ يمكن أن تكون مبادرة من كل من مصر، والأردن، وفرنسا، وألمانيا التي تمكّن وزراء خارجيتها في 7 يوليو (تموز) الماضي من اتخاذ موقف موحد. وإذا تعذر ذلك، على الدول العربية اتخاذ زمام المبادرة بطرح الخطة البديلة.
وبذلك يمكن أن تتحول الأنظار من حاجة الفلسطينيين التعامل مع الخطة التي تحظى بدعم من إسرائيل وواشنطن فقط إلى التعامل مع خطة عربية أوروبية أو عربية بديلة تتمتع بتأييد واسع.
تكمن أهمية الخطة البديلة في أنها تقيد مساحة المناورة أمام إسرائيل وتساهم في حشد الدعم الدولي ضد تبعات تنجم عن أي إجراءات أحادية قد تقدم عليها إسرائيل، وتفرض أمراً واقعاً جديداً يصعب على واشنطن تجاهله إذا ما أعيد انتخابه، ويمثل بديلاً يمكن أن تتلقفه الإدارة الجديدة.
- خاص بـ«الشرق الأوسط»