تاي كيم
كاتب من خدمة «بلومبرغ»
TT

«فيسبوك» وتحديات العنصرية

ليس لدى الشركة العملاقة في مجال مواقع التواصل الاجتماعي دافع قوي لتلبية مطالب مجموعات معنية بالحقوق المدنية المتعلقة بتغيير سياسات الشركة الخاصة بالمحتوى، رغم أن هذا هو الأمر الصائب.
ولا تزال شركة «فيسبوك» لا تدرك الوضع جيداً. لم تسر الأمور جيداً في اللقاء، الذي كان متوقعاً بشكل كبير وتم مؤخراً، بين الشركة العملاقة في مجال مواقع التواصل الاجتماعي ومجموعات الحقوق المدنية التي شنّت مؤخراً حملة لمقاطعة الإعلانات على موقع الـ«فيسبوك»، ومنها «رابطة مكافحة التشهير»، والاتحاد الوطني لتحسين أحوال الملونين، ومؤسسة «لون التغيير». وذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» أن مارك زوكربيرغ، الرئيس التنفيذي لشركة «فيسبوك»، وشيريل ساندبيرغ، مديرة العمليات بالشركة، قد التقيا لنحو ساعة عبر مكالمة هاتفية مصورة، لكنهما لم يقدما الكثير من التنازلات المتعلقة بسياسة الشركة الخاصة بإدارة المحتوى على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك».
وسرعان ما جاء رد سلبي، حيث ذكرت المجموعات الحقوقية في بيان لها: «لقد كان من الواضح جداً خلال اجتماعنا أن مارك زوكربيرغ وفريق العمل في شركة «فيسبوك» ليسوا مستعدين بعد للتعامل مع مشاعر الكراهية المقيتة المنتشرة على موقعهم. وبدلاً من الاستجابة لمطالب عشرات من أهم المعلنين على الموقع، الذين انضموا إلى حملة مقاطعة الإعلانات، التي حملت اسم «امنعوا الكراهية الرامية لتحقيق الربح»، خلال شهر يوليو (تموز)، تريد شركة «فيسبوك» منا قبول الخطاب القديم الذي تعيد تقديمه وكأنه رد جديد». وقال ممثلو تلك المجموعات إن شركة «فيسبوك» قد عرضت تلبية واحد من بين عشرة مطالب لهم، حيث أبدت الشركة استعدادها لتبني موقف يركز على تعزيز الحقوق المدنية دون وعد بأنها ستقوم بذلك على مستوى الإدارة التنفيذية كما هو مطلوب.
في الواقع ليس من المفاجئ أن تمتنع شركة «فيسبوك» عن اتخاذ أي موقف بهذا الشأن، فقد تبنت هذه الطريقة كثيراً في الماضي. لكن جميعنا يعلم جيداً أن أسوأ أنواع المحتوى مثل خطاب الكراهية، والمعلومات المضللة، والمؤامرات الزائفة، إضافة إلى ما يحيط بها من غضب، تزداد انتشاراً، وتزيد من عدد مشاهدات الصفحات المسجلة على مواقع التواصل الاجتماعي بالنسبة لشركات التواصل الاجتماعي. المنفعة، التي يحققها موقع «فيسبوك» من نشر هذا النوع من المحتوى واضحة، لكن ما يحدثه من ضرر للمجتمع ككل كبير وهائل ويمتد من مشكلات تتعلق بالصحة النفسية حتى نشر أفكار غير مثبتة علمياً مثل الحركة المناهضة للقاحات. إن عقول الملايين تغوص في تلك الحفر المسممة. نظراً إلى أداء شركة «فيسبوك» مؤخراً في سوق الأوراق المالية، ربما يشعر زوكربيرغ بضغط أقل الآن؛ فبعد تراجع لفترة قصيرة خلال نهاية الشهر الماضي وسط التغطية المحمومة لتهديدات المعلنين بسحب إعلاناتهم من منصة الـ«فيسبوك»، عادت أسهم الشركة للارتفاع مجدداً. وقد ذكرت الأسبوع الماضي أن على شركة «فيسبوك» التصرف بناء على التغير الكبير في الإدراك والمعتقدات بعد الموجة الأخيرة من الاحتجاجات ضد العنصرية والتمييز العرقي، إضافة إلى أن الخطر الحقيقي الذي تواجهه الشركة هو احتمال تلقيها ضربة مضادة سياسية مستقبلية، لا ضربة لعائداتها في المستقبل القريب؛ وينبغي وضع وجهة النظر هذه في الاعتبار.
الأمر الغريب هو أن تلبية مطالب مجموعات الحقوق المدنية ليست بالأمر الصعب بالنسبة إلى شركة تمتلك موارد وإمكانيات مثل شركة «فيسبوك». وقد أعادت المجموعات سرد المطالب بعد الاجتماع المذكور. فيما يلي بعض تلك المطالب.
إجراء عمليات تدقيق وإعادة المال للمعلنين، الذين تظهر إعلاناتهم إلى جانب محتوى يتم حذفه لاحقاً بسبب مخالفته لشروط الخدمة. أليست تلك خدمة عملاء جيدة؟ ألا يهدأ المعلنون على الـ«فيسبوك»، الذين يشعرون بالقلق من مكان وضع الاسم التجاري من ذلك، ويمنحهم الثقة في أن موقع الـ«فيسبوك» سوف يتعامل بجدية مع مراقبة المحتوى وتطبيق القواعد الخاصة به؟
التوقف عن التوصية بمجموعات أو محتوى من مجموعات لها علاقة بالكراهية أو نشر معلومات مضللة أو مؤامرات أو الترويج لها بين مستخدمي الموقع. تمكين الأفراد الذين يواجهون كراهية أو تحرشاً من الاتصال المباشر بموظف في موقع «فيسبوك». هذه مسألة تتعلق بالاستعداد لإنفاق بعض المال على شيء له قيمة.
للأسف يبدو أن شركة «فيسبوك» سوف تواصل إحباط منتقديها؛ فخلال الأسبوع الماضي أخبر زوكربيرغ موظفي الشركة بأن المعلنين سوف يعودون في النهاية، وبأنهم لن يغيروا سياساتهم بالإكراه بحسب شركة «ذا إنفورميشين».
ربما ينبغي على زوكربيرغ إعادة تقييم طريقة تفكيره وإدراك الواقع: وهو أن النسيج الأخلاقي لمجتمعنا يبلى وسط المعلومات المضللة التي يتم الترويج لها من خلال موقعه. مع ذلك ربما يكون هناك بصيص من النور، حيث صرحت شركة «فيسبوك» بأنها سوف تصدر التقرير التدقيقي الخاص بالحقوق المدنية مؤخراً بعد مراجعة امتدت لعامين لسياساتها وممارساتها. في الوقت الذي أثنى فيه المدققون على الشركة لقيامها ببعض الإصلاحات والخطوات الإيجابية، تساءل التقرير عن «الالتزام الذي تتغنى به» الشركة فيما يتعلق بدعم الحقوق المدنية. وقالوا إن الشركة بحاجة إلى القيام بالمزيد في التعامل مع خطابات الكراهية الموجهة ضد الأقليات، ومنع دعم القومية البيضاء، ومنع قمع الناخبين. وقد أوضحت ساندبيرغ في تدوينة لها قبل نشر التقرير أن الشركة قد احترمت وقدّرت بعض التوصيات، وسوف تقوم بالمزيد، لكنها لن تقوم بكافة التغييرات التي طلبها المدققون منها.
مع ذلك لا تزال هناك فرصة لاتخاذ إجراء حقيقي، ولنأمل أن تقرر شركة «فيسبوك» فعل الأمر الصائب.
- بالاتفاق مع «بلومبرغ»