خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

ما كل غادة حسناء

ألفنا سماع الغزل والهيام بالعيون الفاتنة والجدائل المنسابة والشفاه العذبة والقامة الرشيقة والصوت الرخيم وكل ما طاب من محاسن المرأة. تغنى الشعراء وتفنن الفنانون برسمهن ونالوا شهرتهم بهن. بيد أن الجمال ما كان صفة لكل امرأة. ولو أجروا دراسة ميدانية في حمام نسوان لربما وجدوا أن الدميمات أكثر عددا من اللطيفات. أفليس لهن حظ من قول الشعراء؟ أجل بل والكثير.
وكان ابن الرومي من أبلغهم وصفا للقبح. قال في وصف امرأة حدباء:
دحداحة الخلقة حدباؤها
قامتها قامة فقّاعة
لو أنها ملكي ولي ضيعة
جعلتها للطير فزّاعة
وربما كان ابن الرومي من أكثر شعرائنا وأدبائنا في التمتع بالفنون الموسيقية. ومن أشهر قصائده وصفه الرائع للمغنية المبدعة وحيد. ولكنه وجد عيبا فيها:
عيبها أنها إذا غنت الأحرار
ظلوا وهم لديها عبيد!
بيد أن وحيد كانت وحيدة. وفي غيرها وجد ابن الرومي ما يهز قريحته الساخرة بعد أن عانى من قبح الصوت ونشاز اللحن، فقال:
قينة ملعونة من أجلها
رفض اللهو معا من رفضه
تضغط الصوت الذي تشدو به
غصة في حلقها معترضة
وإذا غنت بدا في جيدها
كل عرق مثل بيت الأرضة
هنا لم يسخط الشاعر على صوتها فقط، وإنما رسم صورة كاريكاتيرية لوجهها أيضا. ويظهر أنه قد عانى كثيرا من قبح مغنيات زمانه. فما استمع إلى قينة أخرى حتى تدفقت قريحته بهذه الأبيات:
غنت فمس القلب كل كرب
واستوجبت منا أليم الضرب
لها فم مثل اتساع الدرب
بقباقة كبقبقات الجب!
هدّارة مثل هدير النجب
وهي على ما أظهرت من عجب
وتدعيه من شجى وحب
وتشتكيه من رياح الجنب
نافرة الصوت خروج الضب
حسبي بها يا نديمي حسبي
قد أصدأت سمعي وغمت قلبي
ولعل جحظة الشاعر قد جارى ابن الرومي في وصفه لقينة أخرى دعاه أحد القوم لسماعها:
قد دعا فأرانا
خنفساة خلف عود
وتغنت من قيام
كالمغني من قعود
ويصف ابن قلاقس عازفة عود:
عوادة غنت لنا صوتا
يشبه نزع الروح والموتا
شبهتها من فوق أوتارها
بعنكبوت نسجت بيتا!