كاس آر. سنستاين
خدمة «نيويورك تايمز»
TT

هدم التاريخ أم توثيقه؟

كان الرئيس ليندون جونسون، وهو مؤيد غير متوقع للحقوق المدنية، في اجتماع مع جورج والاس، أحد حكام الولايات، وهو من ألدّ أعداء الحقوق المدنية؛ وكان والاس هو من طلب هذا اللقاء.
كان موضوع النقاش الرئيسي هو حقوق التصويت، والمظاهرات المستمرة من أجل الحصول عليها؛ وقد أراد والاس من الرئيس مساعدته في التصدي لها وقمعها. وبعد البدء بالحديث عن بعض الأمور غير المهمة، بدأ الحاكم المحادثة بزعم «تلقي الكثير من العناصر المتمردة التدريب في موسكو». ورد جونسون بأن كل ما كان يريده المتظاهرون هو الحق في التصويت، وأضاف قائلاً «لا يمكنك علاج الحمى بوضع كمادة ثلجية على رأسك فقط، بل عليك تناول المضادات الحيوية وعلاج سبب الحمى».
كان والاس يشعر بالازدراء، وقال إنه من المستحيل «التعامل مع متمردي الشوارع» الذين لا يمكن إرضاؤهم أبداً؛ فربما تمنحهم حق التصويت، لكنهم «سيطالبون بعد ذلك بالوظائف، ثم بتوزيع عادل للثروة من دون عمل». وطلب جونسون، الذي ازداد حنقاً، من والاس التفكير في حكم التاريخ، لا في اللحظة الآنية فحسب، فسأله «ما الأثر الذي تريد أن تخلفه وراءك؟ أهو نصب تذكاري كبير من الرخام مكتوب عليه جورج والاس الذي بنى؟ أم قطعة صغيرة من الخشب على أرض تربتها من الكاليش الساخن مكتوب عليها: جورج والاس الذي كره؟
اهتز كيان والاس وأخبر أحد مساعديه بعد ذلك: «يا للهول لو كنت قد بقيت مدة أطول معه لكنت أصبحت من أشد المدافعين عن الحقوق المدنية». ما ذكره جونسون من تمييز بين البناة والكارهين ذو صلة بزمننا هذا. أهم ما في ذلك التمييز هو أنه أوضح الفارق بين الذين يعملون من أجل تحقيق العدالة بين الأعراق والأجناس كافة، بما في ذلك حقوق التصويت والوظائف، وأشباه والاس ومن على شاكلته في عصرنا الحديث، الذين يشكون من «متمردي الشوارع» بأشكال مختلفة، ويشككون في وطنية المتظاهرين، ويركزون على أعمال النهب والسرقة والعنف وكأن هذه الأمور هي الأهم. إن أعمال النهب والسرقة والعنف جرائم، وينبغي ردعها وعقاب مرتكبيها، لكنها ليست الأهم، بل سبب الحمى هو الأهم.
على الجانب الآخر، تصلح كلمات جونسون لأن تكون موجّهة للمتظاهرين أنفسهم حتى بالمعنى الحرفي؛ فمن الصواب هدم التماثيل والنُصب التذكارية، التي تحتفي بقادة الكونفدرالية، فهذه اللحظة مناسبة لإعادة النظر في من نحترمهم ونقدرهم. مع ذلك الحكم الأخلاقي على أحداث الماضي خطير، ومن المهم أن نميز جيداً بين مختلف الأمور. لن يفيد قضية العدالة هدم تماثيل قادة مثل واشنطن، وجيفرسون، وغرانت الذين لم يروا الأمور كما نراها الآن، أو حتى تبنوا معتقدات، وتورطوا في أفعال بغيضة وكريهة وفقاً للمعايير العصرية.
هناك الكثير من الكراهية في الأجواء وتعطش للدمار. إذا كان ما نبغيه هو الدعوة إلى الأمل والحثّ على التغيير، سيكون من الأفضل البناء. صحيح أن هناك ما يدعو إلى الهدم، لكن دعونا نبني أيضاً. بعد 15 عاماً من الصراع تمكّن البناة من تحديد عيد قومي يتم الاحتفال فيه بذكرى مارتن لوثر كينغ في مواجهة عراقيل وضعها جيسي هيلمز، عضو مجلس الشيوخ الجمهوري عن ولاية كارولاينا الشمالية؛ وقد أصبح ذلك اليوم جزءاً مهماً من فهم أمتنا لذاتها. نحن في حاجة إلى قدر أكبر من البناء؛ ينبغي عمل يوم التاسع عشر من يونيو (حزيران) عيداً قومياً للاحتفال بنهاية العبودية.
هل توقفت يوماً وأخذت نفساً عميقاً في 17 مايو (أيار)؟ إنه اليوم الذي أصدرت فيه المحكمة العليا حكماً في قضية براون ضد مجلس التعليم عام 1954؛ وكان الحكم هو اعتبار الفصل العنصري انتهاكاً للدستور الأميركي. ينبغي أن تجد الأمة الأميركية طريقة لتخليد ذكرى ذلك اليوم والاحتفال به.
هناك جدل كبير بشأن إقامة تماثيل ونُصب تذكارية جديدة تخلد ذكرى من عملوا من أجل تحقيق المصالح العليا للأمة، ومن بينهم فريدريك دوغلاس، وروزا باركس، وثورغود مارشال، أعظم محامٍ دافع عن الحقوق المدنية في تاريخ الولايات المتحدة. ماذا عن إقامة تمثال مارشال في العاصمة الأميركية؟
يزخر التاريخ الأميركي بالكثير من الأبطال المغمورين، الذين لم تصبح أسماؤهم مألوفة أو ضاعت قصصهم؛ فلنستعد أولئك الأبطال؛ فسواء كانوا يستحقون إقامة تمثال يخلد ذكراهم أم لا، فهم يستحقون التقدير والاحتفاء على مستويي القومي والمحلي.
من المؤكد أن الرموز ليست بديلاً للإصلاح، سواء إصلاح السياسات الاقتصادية والاجتماعية أو طرق تطبيق القانون.
مع ذلك مثلما كتب أوليفر وينديل هولمز: «نحن نعيش بالرموز»، حيث تساعدنا الأعياد القومية، والتماثيل، والنُصب التذكارية في تحديد هوية الأمة، وطموحاتها، وآمالها، وتمثل إلهاماً للقيام بأفعال إيجابية. ويمكن للتماثيل والنصب التذكارية الجديدة توحيد أشخاص مختلفين والارتقاء بالروح الإنسانية.

- بالاتفاق مع «بلومبرغ»